مقالات مختارة

العالم في مواجهة كارثة بيئية خطيرة

آدم مينتر

بحلول الأول من يناير (كانون الثاني)، عندما توقفت الصين عن قبول النفايات البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير في العالم الثري، نالها الكثير من الانتقادات بسبب تفاقم الأزمة الكبيرة بالفعل الخاصة بالتلوث البلاستيكي للمحيط. ولكن الصين ليست الجاني الوحيد في هذه الجريمة. بل إنها أزمة مفتعلة وتزداد سوءاً بمرور الوقت في كافة أرجاء بلدان آسيا النامية.

وهناك ثمانية بلدان فقط في المنطقة هي المسؤولة عن حوالي 63 في المائة من إجمالي النفايات البلاستيكية المتدفقة إلى المحيطات. والقليل من هذه النفايات كان قد تم تصديره من البلدان الغنية. وبدلاً من ذلك، فإن السبب الوحيد في تلك الأزمة يرجع إلى الطبقات الاستهلاكية المتآكلة حديثاً في آسيا، والسواد الأعظم منها يفتقر إلى خدمات جمع القمامة، ومدافن (مكبات) النفايات، ومحارق النفايات الحديثة. وأي جهود على سبيل الحد من التلوث البلاستيكي في المحيط لا بد أن تبدأ من هذه البلدان.

والانتشار الكبير للقمامة يرجع في غالب الأمر إلى ظاهرتين متصلتين؛ التحضر ونمو الدخل، إذ يتحول سكان الريف المنتقلون إلى حياة المدينة من شراء السلع غير المعبأة إلى شراء السلع (ولا سيما الأغذية) المعبأة بلاستيكياً. ومع ارتفاع مستويات الدخل لديهم، يتزايد مستوى المشتريات تبعاً لذلك. وهذا النمو في الاستهلاك لا يتساوى على الإطلاق مع خدمات جمع القمامة والتخلص منها في المدينة.

وفي البلدان ذات الدخل المنخفض عادة، فإن أقل من نصف إجمالي القمامة يتم جمعه بصورة رسمية، والقليل منها الذي يجري جمعه بالفعل ينتهي به الحال في مكبات القمامة المفتوحة غير الخاضعة لأي تنظيم رسمي. وفي عام 2015، قدر العلماء أن نحو 88 في المائة من القمامة في فيتنام إما تجد طريقها إلى التناثر في الطرقات أو إلقائها في مكبات القمامة غير الرسمية. وفي الصين، تصل النسبة إلى 77 في المائة. وبالمقارنة البسيطة، فإن نسبة الولايات المتحدة من ذلك تبلغ 2 في المائة.

وتجابه كل مدينة كبيرة في بلدان آسيا النامية هذه المشكلة، حيث تختنق الممرات المائة في العاصمة الإندونيسية جاكرتا بالمخلفات البلاستيكية الهائلة. وفي عاصمة ماليزيا كوالالمبور، تتناثر مكبات النفايات المفتوحة على طول طريق القطار السريع حتى مطار العاصمة. وعلى مشارف أي مدينة صينية، تتناثر الأكياس ومعلبات الأغذية السريعة البلاستيكية على جوانب الطرق. وينتهي الأمر بأغلب هذه النفايات في الممرات المائية ثم في المحيطات في خاتمة المطاف. وخلصت إحدى الدراسات المعنية إلى أن 8 إلى 10 من الأنهار الناقلة للنفايات موجودة في آسيا.

وينقل نهر يانغتسي الصيني وحده ما مقداره 1.5 مليار طن متري من المواد البلاستيكية إلى البحر الأصفر في كل عام.
وأثبتت كافة الحلول المطروحة لهذه المشاكل أنها عصية على التحقيق بصورة مزمنة. ولقد منعت الصين تجار التجزئة من توفير أكياس التعبئة البلاستيكية لمدة عشر سنوات، ولم يكن لذلك من تأثير يُذكر على حل المشكلة. وفي إندونيسيا، واجهت الجهود المبذولة منذ وقت طويل لفرض ضرائب على العبوات والحاويات البلاستيكية، حقيقة مفادها أن نسبة قليلة من السكان المحليين لا يستطيعون الوصول إلى المياه الموصلة بالأنابيب أو غير المتلوثة.

وعلى الرغم من أن إعادة التدوير من الأمور الشائعة في آسيا، فإن البلاستيك في حد ذاته يشكل تحدياً كبيراً لا يمكن التغلب عليه في كثير من الأحيان، حيث إن العوامل التقنية والبيئية تزيد من صعوبات إعادة التدوير، ولا سيما في المناطق النامية. وفي الواقع، يتم إعادة تدوير نحو 9 في المائة من المواد البلاستيكية على مستوى العالم.

غير أن هناك خياراً آخر يعد بحل هذه المشكلة، ألا وهو تحسين خدمات جمع القمامة القديمة العادية. وخلصت دراسة مشتركة حديثة من مؤسسة «أوشن كونسرفانسي» ومركز ماكينزي للأعمال والبيئة إلى أن زيادة نسبة جمع النفايات إلى 80 في المائة في خمس دول آسيوية فقط – وهي الصين، وإندونيسيا، والفلبين، وتايلاند، وفيتنام – من شأنها الحد من النفايات البلاستيكية بنسبة تصل إلى 23 في المائة على مدى عشر سنوات. وليس هناك من حل آخر يعد بتحقيق مثل هذا التأثير المباشر أو الدائم لهذه المشكلة.

والتوقف تماماً عن ذلك لن يكون سهلاً بحال. فإن جمع القمامة والتخلص منها هو من أغلى البنود على ميزانية أي مدينة نامية في العالم، وتحقيق هدف الدراسة المذكورة سوف يتطلب توفير 4 إلى 5 مليارات دولار على أساس سنوي. ولكن هذا ليس مستحيلاً؛ ففي المملكة المتحدة، تمارس منظمات الإغاثة الضغوط على الحكومة لأجل إنفاق 3 في المائة من المساعدات الخارجية السنوية على جمع النفايات والتخلص منها في العالم النامي (وهي لا تنفق في الوقت الحالي سوى 0.3 في المائة فقط على هذه الجهود). وإن تم اعتماد هذا الهدف من جانب الدول الغنية الأخرى، قد يغير ذلك تماماً من قواعد العمل في التلوث البلاستيكي في المحيطات.

ومن شأن القطاع الخاص أن يساعد في ذلك أيضاً. فهناك مجموعة حقوقية أميركية تدعى «كلوزد لوب أوشن» تعمل على جمع 150 مليون دولار من المؤسسات العالمية – بما في ذلك شركات «إم ثري»، و«كوكاكولا»، و«بروكتر آند غامبل» – بهدف الاستثمار في أعمال جمع القمامة والتخلص منها في الهند وإندونيسيا. ومن المتوقع انضمام شركات البتروكيماويات والبلاستيك إلى تلك الجهود قريباً.

وكل تلك الجهود ليست إلا البداية، فسوف تحتاج البلدان النامية في آسيا في نهاية المطاف إلى مزيد من مكبات النفايات الحديثة، ومحارق القمامة المتطورة، وبرامج إعادة التدوير الممولة ذاتياً. ولكن في الوقت الراهن، فمن شأن إجراءات الإصلاح الحالية أن تسفر عن مردود عالمي كبير وأكبر من أي تأثير آخر: البدء في جمع القمامة!

– بالاتفاق مع «بلومبيرغ»

المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى