مقالات مختارة

الصراع على إيران في واشنطن

د. رضوان السيد

منذ عام 2013، وقبل البدء الرسمي للمعركة الأميركية على الرئاسة، كان القلق يتصاعد في الولايات المتحدة وإسرائيل، من نهج الرئيس أوباما في التفاوُض مع إيران لمنعها من إنتاج السلاح النووي. كان اليمين الأميركي وإسرائيل قلقين من قبول إدارة أوباما بالحدّ الأدنى فيما يتصل بمضامين الاتفاق، وبالتعويضات عنه، وبمدته. أما العرب الخليجيون فكانوا قلقين من سياسات أوباما في إعطاء الأولوية المطلقة للاتفاق ذاته، دونما اهتمام بلواحقه ومصاحباته وتداعياته. ومن ذلك المضايقات في مضيق هرمز، وإنتاج الصواريخ البالستية، والتدخلات الإيرانية في الدول العربية في العراق وسوريا واليمن ومحيطها من البحر الأحمر وإلى باب المندب وبحر عُمان وسواحل المحيط الهندي الأُخرى.

إنّ هذه المشكلات جميعاً تعود للبروز على السطح بعدما أعلن الرئيس ترامب عن سياسات إدارته لإعادة النظر في الاتفاق النووي ذاته، ومصاحباته المتصلة برفع العقوبات، كما في الإجراءات العسكرية الإيرانية في البحار، وإنتاج الصواريخ البالستية، والتدخلات الإقليمية لضرب الاستقرار والاستيلاء على الدول وشرذمتها. والذي جرى حتى الآن زيادة العقوبات على إيران وعلى تنظيماتها المسلَّحة مثل «حزب الله». ويناقش الكونغرس المزيد من الإجراءات فيما يتصل بالعقوبات المضاعفة.

الجنرالات الأميركيون، والدول الأوروبية الداخلة في اتفاق 5+1، لا يريدون تعديل الاتفاق أو إلغائه. ودافعهم لذلك أن إيران ما أخلّت حتى الآن ببنود الاتفاق وأن مراقبة أنشطتها جارية من جانب الوكالة الدولية للطاقة، وإذا حدث أي خلل من جانب إيران، في نظر الوكالة، فعندها يمكن جمع اللجنة (ومن أعضائها روسيا والصين)، والنظر في المضي بالاتفاق من عدمه. ولهم في ذلك عدة اعتبارات، أولاها أن التخلي الأميركي عن الاتفاق يبعث على الشك في التزام واشنطن بالاتفاقات الدولية، كما حصل عندما تخلى ترامب عن اتفاق المناخ. والتخلي المنفرد عن الاتفاق لن تكون له تأثيرات كبرى سلبية على إيران إذ يمكن التأمُّل في عقد اتفاق أفضل معها. وسيصبح هذا الموضوع مجالاً لإدخال روسيا على الخط، واعتبار هذا الملف أحد ملفات التحالف بين روسيا وإيران. وبخاصة أن هناك بالفعل نوعاً من التعاون المتزايد بين الدول الثلاث: روسيا وإيران وتركيا في سوريا وفي الملف الكردي. ولن يستطيع الأوروبيون الكبار (إنجلترا وألمانيا وفرنسا) دعم أميركا على هذا الصعيد، لأنهم لا يملكون المسوِّغ لذلك إلا إذا كانت هناك ملاحظات من وكالة الطاقة. ثم إنهم لا يريدون زيادة التعقيدات مع روسيا. ولا إضعاف إمكانيات التعاون المشترك بين الدول الكبرى في الملف النووي لكوريا الشمالية.
وهكذا يرى بعض الجنرالات الأميركيين النافذين في الجيش وفي الإدارة أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة تقتضي المضي في الاتفاق، والالتفات إلى التداعيات: التحديات الإيرانية في البحار، والتدخلات الإيرانية في الدول العربية، وإنتاج إيران للصواريخ البالستية التي تهدد الأمن الإقليمي.

حتى الآن ما فعلت الولايات المتحدة غير التهديد بالعقوبات وإقرار بعضها. وقد تكون هناك إجراءات عسكرية بحرية لمنع التدخلات الإيرانية لمساعدة الحوثيين في البحر الأحمر وعلى شواطئ الخليج، ومنع تهديد الملاحة الدولية. وتحدتْ الولايات المتحدة إيران في جنوب سوريا إنما بالتعاون مع روسيا والأردن وإسرائيل في دير الزور لجهة شرق الفرات. وقد أثّر ذلك على روسيا وعلى النظام، وأظهرا غضبهما. لكنّ إيران ربحت ولم تخسر هناك. فمليشياتها تقاتل في دير الزور، وقد تدخلت ضامناً لاتفاق خفض التصعيد إلى جانب روسيا وتركيا في إدلب التي تستمر عليها الغارات الروسية رغم الاتفاق. والواضح أن الروس والنظام يحتاجان إلى قوات على الأرض في الشمال والشرق، لذلك أدخلوا الميليشيات الإيرانية معهم، وبخاصة أن منطقة دير الزور قريبة من الحدود العراقية، وتلك الحدود قراها على الجانبين عربية سنية، وبعضها لا يزال «داعش» يسيطر عليه. وتريد إيران والنظام السوري الالتقاء بالجيش العراقي و«الحشد الشعبي» عند الحدود للاستيلاء والتهجير كالعادة!

إلى ماذا يؤول هذا التجاذُب بين الولايات المتحدة وإيران؟ وما هي المديات التي يبلغها؟ ولم يؤثر ذلك على العلاقات الأميركية الروسية بالإيجاب أو بالسلْب؟ ستوضح ذلك كلَّه الأسابيع والشهور القادمة. ويا للعرب!

___________________________

الاتحاد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى