حياة

الصحافة الرقمية.. رهان على المصداقية بسقف حرية لا محدود

خلود الفلاح

ما هي التحديات التي تواجه الصحافة الرقمية؟ هل من الضرورة سن قوانين وضوابط تضمن المهنية؟

من يحمي الصحفي ومصادره؟ وهل حجب المواقع الرقمية بلا جدوى بعد التطور الكبير في استخدامات شبكة الإنترنت؟

يقول عضو هيئة تدريس بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة بنغازي إسماعيل الفلاح: في الواقع منصات الإعلام الرقمي في ليبيا المنبر الإعلامي الأكثر استخدامًا، بالنظر إلى تعثر وسائل الإعلام الورقي المتمثلة في الصحف والمجلات، وتراجع مؤشرات حرية الصحافة في ليبيا.

ويلفت الفلاح، إلى أن أسباب حصول الإعلام الرقمي على سقف حرية أكبر من الإعلام التقليدي كثيرة، أبرزها يعود إلى كون منصات الإعلام الرقمي أصبحت تُمثل المجال العام في البلاد كأداة لوجستية لا تُقدر بثمن للتواصل بين الناس بعيدًا عن سيطرة الدولة المباشرة على المحتوى المنشور. ربما يكون هذا هو التأثير الأكثر ديمومة لاستخدام الوسائط الرقمية في المجتمع الليبي كونه يتيح للناس حرية أكبر، وقدرة أكثر، على إنتاج ونشر المحتوى الرقمي والتفاعل معه بشكل إيجابي أو سلبي.

غياب القوانين

وبحسب تقرير نشره الاتحاد الدولي للصحفيين في ينايرـ 2020، عن الإطار التشريعي والتنظيمي للإعلام الرقمي في العالم العربي، فإنه رغم النقلة التي حدثت من حيث إتاحة الإعلام الرقمي بشكل كبير، إلا أن القيود التي تفرضها بعض الدول العربية ما زالت تشكل حائلاً دون حرية التعبير، سواء جراء ملاحقة الصحفيين أو حجب المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل، وهنا أفاد إسماعيل الفلاح، تأسيسًا على ذلك، سارعت الكثير من دول العالم إلى سن التشريعات والضوابط التي تنظم الإعلام الإلكتروني، وبدأت تبحث عن أفضل السبل من أجل مواجهة التحديات القانونية المتعلقة بالوسائط الرقمية، وذلك بالنظر إلى ما نشهده في كل يوم من أشكال انتهاكات لا حصر لها بسبب طبيعة الوسائط الرقمية المتطورة والديناميكية. ولا يوجد قانون خاص بالإعلام الرقمي في ليبيا، نعاني من فراغ تشريعي كبير في مختلف مجالات القوانين الرقمية، ولابد من العمل على سد هذا القصور من الهيئات التشريعية في البلاد.

ويضيف: “إن تشريع قوانين تنظم الإعلام الرقمي مسألة ضرورية وعلى قدر كبير من الأهمية، وفي كل دول العالم هناك تشريعات رصينة تمثل مزيجًا من القوانين تشمل على سبيل المثال لا الحصر، حقوق الملكية الفكرية والوسائط الرقمية، حقوق النشر في الوسائط الرقمية، العلامات التجارية والوسائط الرقمية، براءات الاختراع والوسائط الرقمية، خطاب الكراهية، القذف والتشهير، انتهاك الخصوصية، حماية البيانات، ضوابط الأمان، والإبلاغ عن إساءة الاستخدام”.

استسهال الإعلام الرقمي

وفقاً للتقرير، شبكة الإنترنت أصبحت خارج نطاق السيطرة تتمتع بقليل من المصداقية، وعليه باتت الحاجة إلى تدقيق المعلومة تتزايد بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى حجم المعلومات التي يتم التلاعب بها.

ويشير الصحفي والأكاديمي محمد خليفة، إلى انخفاض تكلفة الإعلام الرقمي، وبإمكان أي شخص يمتلك هاتفاً يستطيع إنشاء حساب على أي من مواقع التواصل الاجتماعي ونشر المحتوى المرئي والمسموع والمقروء في دقائق.

واستطرد: “بناء على ذلك الصحافة الإلكترونية مهنيتها مهددة، طالما أي شخص أصبح بإمكانه الادعاء أنه صحفي، ومثال على هذا الاستسهال ما شاهدناه بعد فبراير. من استخدام كبير للمصطلح الفضفاض إعلامي. أيضاً الأخبار المضللة وما يسمى التزييف العميق الذي من الصعب اكتشافه. وشركات التلاعب بالرأي العام وهو ما بدأ واضحاً في الانتخابات الأمريكية عندما تم قلب نتيجة الانتخابات لصالح دونالد ترامب على حساب هيلاري كلينتون”.

استقلالية واستمرار

يقول مدير ومؤسس موقع الكتيبة المتخصص في الصحافة الاستقصائية وليد الماجري، مسألة التمويل تشكل تحدياً كبيراً أمام الصحافة الإلكترونية، لدوام الاستمرارية على الأقل في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، حيث الصحافة الرقمية حديثة العهد وليست صحافة عريقة. في البداية المواقع الإلكترونية أنشئت كمواقع للمؤسسات الإعلامية القائمة، كالقنوات التليفزيونية أو الإذاعية أو لصحف ورقية ثم بعد ذلك أنشئت بعض المواقع الإلكترونية في الويب فقط. وهذه لا بد لها من البحث عن مصادر تمويل لضمان سداد النفقات ودوام الديمومة.

ويتابع: أمامنا الإعلانات وهذه قد تمس الاستقلالية. ثانياً، الاشتراكات مثل ما يحدث في صحيفة لوموند الفرنسية ونيويورك تايمز الأمريكية. في هذه الصحافة لا يمكن قراءة المقال كاملاً، باستثناء المقدمة. إلا بعد الدفع بالكارت. ومازالت الصحافة الرقمية تبحث عن منوال تنموي واضح يجعلها تضمن الديمومة والاستقلالية، بحسب الماجري.

ويشير وليد الماجري، إلى أنه في غياب الإعلانات والاشتراكات تضطر المؤسسات النزيهة إلى خلق أنشطة أخرى موازية من أجل الحفاظ على استقلاليتها. مثل تنظيم الندوات وبيع الكتب، ولكن عدداً من الصحف الرقمية، تشتغل بطريقة أخرى، قد يتم إنشاؤها خلال المحطات الانتخابية بمثابة ناطق رسمي باسم جهة معينة. وتتسلم أموالاً مقابل ذلك، ولكن بسبب فقدان المصداقية تنتهي.

المعيار الأخلاقي والتحريري

يرفض وليد الماجري مسألة القوانين والضوابط لتنظيم الصحافة الرقمية، ويضيف: “أفضل التعديل الذاتي أي أن الصحف والمواقع الإلكترونية تكون خاضعة لمنظومة معيارية وأخلاقية ونظام داخلي خاص بها. وهذا النظام يتضمن مدونة سلوك أو ميثاقاً أخلاقياً أو تحريرياً. ومع ذلك يمكن وضع قوانين لتنظيم العمل داخل تلك المؤسسات مثل تنظيم علاقة المؤسسة بالجمهور. وهذه القوانين تجرم التشويه والسب والقذف. المواثيق التحريرية والأخلاقية قادرة على خلق صحافة مستقلة إذا كان الصحفي لديه درجة من الوعي والتدريب والتكوين الجيد”.

ونسأله، هل الإعلام الرقمي في تونس يمتلك سقف حرية أكبر من الإعلام الورقي؟ فيقول: الإجابة معقدة. والسبب أن الإعلام الرقمي في تونس متشابك مع الإعلام التقليدي. كل المؤسسات الإعلامية سواء مرئية أو مسموعة أو ورقية تمتلك مواقع إلكترونية، وبالتالي سلوك تلك المؤسسات لن يختلف كثيراً بين ما تنشره وتبثه على المواقع وبين ما تنشره في صحفها الورقية.

وتحدث وليد الماجري عن سقف الحرية الكبير في الإعلام الرقمي المستقل، وأشار إلى أن موقع الكتيبة يتمتع بحرية النشر إذ ليس هناك جهة تفرض خطاً تحريرياً معيناً، وهذا راجع للاستقلال المادي للموقع. على سبيل المثال اشتغل الموقع مؤخراً على تحقيق دولي اسمه “أسرار سويسرية”، قائم على تسريبات من مؤسسة بنكية سويسرية تشمل حسابات بنكية لشخصيات عدة من بينها عبد الحميد الدبيبة وغيره من الشخصيات الليبية، ولكن لم يتم التعاطي مع هذه التسريبات من خلال الإعلام التقليدي المحكوم برأس المال وإنما كان موقع الكتيبة هو الموقع الوحيد الذي نشر ذلك عن تونس ودول شمال أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى