كتَـــــاب الموقع

الشهادة الثانوية والإصلاح الاقتصادي وسوق العمل

الحسين المسوري

اجتاحت الصفحات الليبية بمواقع التواصل الاجتماعي، التهاني لطلاب الثانوية العامة بمناسبة نجاحهم وانتقالهم للدراسة الجامعية، وسط فرحة الأهل والأصدقاء بهذا الإنجاز، مع التمنيات بمزيد من النجاح والحصول على الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراه.

وبعد انتهاء فترة التهاني تبدأ مشكلة الأهل في اختيار الكلية المناسبة لابنهم أو ابنتهم، التي يطمحون للتخرج فيها، وهذا الأمر يتوقف على معدلات ونسبة مجموع الدرجات، والواسطة أيضًا، وبشكل أو بآخر يتغلب الكثير من الأهالي على هذه المشكلة؛ إمّا بتسجيل ابنهم، حسب ما يريد، أو يقنعونه بالانتقال إلى كلية أخرى، وتنتهي المشكلة.

لكن المشكلة الكبرى التي تُعانيها بلادنا، منذ نصف قرن تقريبًا، أن الانتساب للكليات لا علاقة له باحتياجات الدولة ولا بسوق العمل، حتى أصبحت الجامعات الليبية في غالبيتها تخرج جيوشًا من العاطلين عن العمل فعليًا، حتى ولو تم تعيينهم على الورق ومنحهم المرتب آخر كل شهر دون أي عمل فعلي يقومون به، حتى أصبحوا مُكدّسين ولا تتسع لهم مكاتب ولا مرافق الجهات التي تم تعيينهم فيها، وأصبحت الفجوة كبيرة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.

ورغم أن الأرقام تثبت وجود تخمة غير عادية في عدد الموظفين بمؤسسات الدولة؛ فإن الحقيقة أن هذه التخمة لم تُنهِ النقص في كثير من المجالات، وإلى اليوم، يتم التعاقد مع أجانب لسدّ احتياجات الدولة في هذه المرافق، ففي محضر الاجتماع الأخير لـ”مراقبة تعليم درنة”، والصادر بتاريخ 11 يناير 2021 جاء فيه أن هناك “نقصًا في معلمي تخصصات اللغة الإنجليزية واللغة العربية والرياضيات”، رغم أن كلية إعداد المعلمين بجامعة عمر المختار لا تبعد سوى مئات الأمتار عن مقر “مراقبة تعليم درنة”، وهذا الأمر راجعٌ إلى أن استراتيجيات وسياسات التعليم في بلادنا، غير مرتبطة باحتياجات مؤسسات التعليم نفسه، فما بالك باحتياجات الدولة وسوق العمل!

ممّا سبق؛ يُمكننا القول إن التعليم يلعب دورا محوريا في أي سياسات أو خطط أو برامج تستهدف تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة، لقد استطاعت الدول المتقدمة وحتى النامية التغلب على هذه المشكلة ببناء خارطة طريق سليمة، بعد أن ربطت التعليم بسوق العمل، فأخذا يسيران جنبًا إلى جنب في مسيرة النهضة العلمية والاقتصادية، وأصبحا يكمل أحدهما الآخر، في نمو الاقتصاد وازدهار الدولة، وبالتالي لم يعد هناك تكدس مُفرط في الخريجين، مثلما هو حاصل لدينا، حاليًا.

لذلك؛ أعتقد أن الخطوة الأولى في الإصلاح الاقتصادي في بلادنا؛ تبدأ من عمل استراتيجية وطنية لعدد الجامعات، ونوعية الكليات والتخصصات التي تدرس مناهجها وفق الكوادر التي نحتاج إليها، ويتم الانتساب إليها وفق حاجة الدولة وسوق العمل، وفق خطط تحسب حساب ما تحتاج إليه الدولة من كوادر في المستقبل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى