مقالات مختارة

الشعب الطيب

فرح البريكي

لقد استقر في الذهنية الليبية هذا الحكم الموحد و الثابت و المعروف مسبقا إزاء كل القضايا و الأحداث ، هذا الحكم الواحد الذي أتصور _على غير قدر كبير من الثقة_ أنه تأسس نتيجة الركود و الصفاء الذهنيين الذين عانى أو امتاز بهما الشعب الليبي عبر عقود
أو للنفسية المدفوعة بالمشاعر الجياشة التي تميل لتوحيد الشعب ، التي تتجاوز مرحلة صهر العرق و توحيد الدين و اللغة لتشمل وجهات النظر أيضا
فنحن نفضل أن نملك جميعا ذات وجهة النظر ، كما نفضل _ لنزعة عصابية _ أن نمتلك جميعا ذات وجهة النظر المكونة في الماضي و المتوارثة بعناية
لنكون في نهاية المطاف فكرا موحدا و بدائيا في آن واحد _ رغم اختلاف ايدولوجياته _ إلا أنه كفيل بتوفير نظرة متقاربة للكثير من الحوادث من قبل الأطراف المتجاذبة سياسيا أو مذهبيا
و لأن الحرب هي الأكثر تعبيرا عن الاضطراب ، أو لنقل هي تجليه الأكثر وضوحا و تأثيرا على الجماعات البشرية فإن أول الأفكار التي قد تدور في الذهن أن زمانها يقع على النقيض تماما مع زمن السلم
فبالتالي فإن المتوقع من الأفراد و الجماعات في زمن الحرب غيره الذي يتوقع منها في زمن السلم
و إن كان من المحزن أن تسجل الحرب هدفا سريعا في مرمى أفكارنا السامية و معتقداتنا الراسخة حول طبيعة الشعب الليبي و طيبة عشرته و كرم أخلاقه ، فإن هذا ما حدث فعلا ، فلا شيء يظاهي الحرب ضرواة في تدمير القيم
غير أننا كشعب مؤمن برساخة مبادئه و عراقتها فلن نستسلم سريعا أمام الحرب التي تحاول رغما عنا تغيير نظرتنا و تعطينا في كل يوم مثالا شنيعا على مدى وحشيتنا و أنانيتنا و طبائعنا المجرمة
فلازلنا على الأقل قادرين على تعزية أنفسنا بأن كل ما هو سيء هو دخيل و مؤدلج و أن يدا مجهولة تعبث بطبيعتنا المسالمة و الرحيمة
لكن النظر في سيكلوجيا الإنسان ليست بسطحية القول أن هذا الإنسان جيد أو سيء فطريا ، فالفطرة أو بوصف أكثر علمية ( الغريزة ) ليست العامل الوحيد الذي يحدد طبيعة الانسان و تصرفاته ، فكيف يمكن اسقاط هكذا نظرة قاصرة على جماعة _ لا فرد _ تعرضت لأقسى هزة في تاريخيها الحديث ، مستبعدين بذلك كل العوامل و التحورات التي تطرأ على البيئة المحيطة بالفرد كما بالجماعة من دور في خلق تحور واضح على سيكلوجيته و تصرفاته .
لمدة سبع سنوات من الحرب و الفضائع لازالت هذه الحرب و الفضائع تصدمنا و لازلنا نتحدث عن الحريات ، و ما يجب و ما لا يجب ، عن ما ينتهك حقوق الإنسان و ما يدعمها ، و كأننا نعيش في وضع ملائم لهذا الاستغراب و الاستنكار و التنظير
مستبعدين فكرة أن الإنسان إذ تنفلت غرائزه المكبوتة بواسطة القانون الصارم و العقوبة الدنيوية الملموسة ! لا السماوية المؤجلة و التي تحاسب الإنسان على أساس دينه قبل أخلاقه ، لا يمكن النظر في شأن تصرفاته على أنها مستنكرة و غريبة أو حتى مستبعدة
ففي الحرب يصبح كل شيء مباحا و يجب ان يكون متقبلا نفسيا أيضا
كما أن ما يردع الحرب ليس ذاته الذي يردع أسباب الحرب ! ذلك ان الحرب تؤسس جيدا لبقاءها كفعل خارج عن الوعي
كما ان السلم ذاته لا يعني انتصار الإنسان على مسببات الحرب ، ذلك أن كل ما يدعو للحرب غريزي و مترقب لفرص تكشفه
و ما يفعله هذا الإنسان المتقدم للمحافظة على سلميته هو تحقيق ظنه بفطرته الجيدة بكبح كل ما هو سيء فيه ، لكنه فيه يبقى .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى