اهم الاخبارمقالات مختارة

الشخصية الليبية: الطرد والانصهار

سالم الهمالي

لكل أفراد مجتمع شخصية تمثل طباعهم، تجتمع فيها مؤثرات كثيرة تاريخية واجتماعية وعرقية ولغوية ومعرفية بالاضافة لأثر البيئة عليهم. على سبيل المثال: يمكن القول إن الشخصية المصرية انطبعت بنهر النيل (الماء) والحضارة الفرعونية، الشخصية التونسية بالعيش في أرض منبسطة تحصل على نسب وفيرة من مياه الأمطار بما يستغل خصوبتها للزراعة. إلا أن الغالب على البيئة الليبية هو الصحراء وندرة المياه، وبالتالي أراض زراعية محدودة.

حركة الشعوب قبل عصر التكنولوجيا الحديث كانت مرتبطة بشكل وثيق على أماكن توفر المياه، فحيث ما تواجدت نمت المجتمعات البشرية والاستقرار، وحيث قلت انعدم الاستقرار. البيئة الصحراوية “طاردة”، لأنها محدودة الموارد إلا ما تجده في واحات لا تحتمل إعدادا سكانية كبيرة.

الانصهار صفة تميزت بها دول الجوار (مصر وتونس)، فالتاريخ يروي لنا هجرات كثيرة من الأراضي الليبية الجدباء إلى مصر وتونس، حيث الماء والخضرة والنماء. اليوم أكثر من ١٥ مليون مواطن مصري لهم أصول ليبية أغلبهم في الصحراء الغربية والفيوم والمناطق المجاورة للأسكندرية، انصهروا في المجتمع المصري، لا أحد يشير إليهم بأنهم ليسوا مصريين. هذه الصفة لم تقتصر على الليبيين فقط، بل من محمد علي باشا إلى فريد الأطرش وبيرم التونسي ومحمد الخضر حسين حتى آخرهم شوقي الماجري الذي توفي أمس. حميد الشاعري فنان ليبي، اشتهر في مصر واستقر بها كما فعل غيره، لأن المجتمع المصري يتميز بقابلية الانصهار فيه فلا يعتبر من دخله غريبا عنه حتى يضطره الى الهجرة من جديد.
لا يختلف الحال عنه في تونس، فأشهر رؤساهم الحبيب بورقيبة من أصول ليبية لكن لن تجد تونسي يشير إليه بهذه الصفة، إذ يعتبروه تونسيا أصيلا، بل باني نهضة تونس. في بداية القرن العشرين هاجر أكثر من ١٥٠٬٠٠٠ ألف مواطن ليبي إلى الأراضي التونسية نتيجة الاستعمار الإيطالي وأيضا المجاعات والأمراض التي فتكت بالمجتمع الصحراوي، عدد كبير من هولاء انصهروا في المجتمع التونسي وأصبحوا من أركانه. وللدلالة على ذلك أن أصهار رئيسهم الأسبق زين العابدين هم آل الطرابلسي .. ومن يقول اليوم إنهم من أصول ليبية أو غير توانسة ؟!

الحال في ليبيا يختلف، لأن الشخصية الليبية صعبة وعنيدة لا تقبل الانصهار، فالملك إدريس (رحمه الله) الذي ارتبط اسمه بتأسيس الدولة الليبية الحديثة يشير إليه البعض أنه جزائري، بالرغم من أن والده وجده مدفونان في الأرض الليبية. مصطلحات (عائدون، صاد شين، طار غلقها) لها دلالة معروفة في المجتمع الليبي، للانتقاص من أولئك الذين أتوا من بلدان الجوار أو عاشوا فترة من أعمارهم فيها. ليس من المستغرب والحال كذلك أن نرى انتشارا لمصطلحات تصف فئة من أبناء المجتمع لأصولهم من باب الانتقاص وكأن هناك غيرهم من الليبيين الذين نبتوا في هذه الأرض !!
أما إذا شق على الليبي أن يجد شيئا يُعيّر به خصمه فلا أقل من أن ينسبه لليهود بأصول يهودية !.. ربما لا يدري أن اليهود هم من أكثر الأعراق تمسكا بأصولهم بالإضافة إلى اهتمامهم بجالياتهم في مختلف أنحاء العالم فعلا لا قولا شاملا حمايتهم. بعضهم يبالغ في الكذب والفسوق ويأتي بروايات للتدليل على إفكه وبهتانه، ولا أحتاج لأمثلة فالقصة معروفة للجميع.

أحمد عرابي البطل المصري الشهير من أصول حسنية عراقية نفي إلى جزيرة سيلان لمدة عشرين عاما ثم عاد الى مصر حيث توفي، فيما نفي بشير السعداوي الزعيم الليبي المشهور وتوفي خارج ليبيا. هنا الاختلاف بين البيئة الطاردة التي تقبل الانصهار .

المصدر
صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى