كتَـــــاب الموقع

السعودية تُرمّم تاريخها

فرج الترهوني

ستحتفلُ العربية السعودية رسميّا بيوم تأسيس المملكة في الثاني والعشرين من فبراير، وهي المرة الأولى التي يُقام فيها هذا الاحتفال، الذي يُنتظر أن يتزامن مع تغييرات جوهرية أخرى لترميم علاقة المملكة بالدين، من خلال فك الارتباط مع الفكر الوهابي المتشدد. فمنذ أن أصبح النجل المفضّل للملك سلمان الذي يدير بالفعل البلاد بشكلٍ يومي ولياً للعهد قبل أربعة أعوام، كان همه الشاغل هو التخفيف من النزعة الدينية والحدّ من سيطرة سدنة الفكر الوهابي المتزمت على مناحي الحياة في البلاد.
تعود أصول التحالف بين الزعيم القبلي محمد بن سعود، والداعية الإسلامي المتشدد محمد بن عبد الوهاب إلى منتصف القرن الثامن عشر حين تحالفت الزعامة القبلية والقوة لابن سعود مع التعصب الديني لدى محمد عبد الوهاب، لإعلان الجهاد وغزو شبه الجزيرة العربية وتطهيرها، فكانت بدايةً لما أصبح يُعرف بالدولة السعودية الأولى.
ولكن الآن، يبدو أن فكّ هذا الارتباط أخذ شكلا رسميا، حيث حدّد مرسومٌ ملكي في يناير الفائت تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى بثمانية عشر عاماً قبل هروب الداعية الديني المتزمت محمد ابن عبد الوهاب إلى الدرعية وتحالفه مع ابن سعود، ولم تتأخر الصحافة السعودية في الإشارة إلى الأبحاث الموسَّعة التي أجراها المؤرخون السعوديون لدعم أهمية التاريخ الجديد لتأكيد فك الارتباط التاريخي مع الدعوة الوهابية.
فعبر اختيار هذا التاريخ الجديد لنشأة الدولة السعودية الأولى، يعمل الملك سلمان وولي العهد الطموح على إضعاف الدور التاريخي للمؤسسة الدينية الوهابية – التي نُظر إليها دائما على أنها الشريك والحليف القوي لآل سعود في صراعاتهم المختلفة، حتى تأسيس الملك عبد العزيز، والد سلمان المملكة بشكلها الحالي عام 1932.
قد تؤدي التغييرات المحتملة إلى المزيد من إضعاف روابط ولي العهد الطموح بالإسلام الأصولي، إلى معارضة من قبل أفراد آخرين من العائلة المالكة الآخرين الذين يشعرون بالاستياء من تهميشهم، أو حتى من قبل زعماء دينيين. وتشير مسارات الأحداث إلى توقَّع قيام ولي العهد ببعض الإجراءات لوأدِ مثل هذه المعارضة، حتى باستخدام العنف ضد أقرب الأقارب، كما رأينا في حالات سابقة في زمن قريب.
السؤال الذي يطرح نفسه هل تمثل عودة السعودية للإسلام المعتدل طلاقا بائنا بين آل سعود والوهابية؟
لقد وجد ولي العهد السعودي أن رغبته في العودة ببلاده إلى إسلام معتدلٍ ونبذ التطرف تصطدم بعقبات كثيرة، وكان لا بد له من تغيير “معادلة الحكم” القائمة على تحالف وثيق بين الدين والسياسية، فبعد زيارة ترامب الشهيرة مباشرة إلى السعودية التي أطلق خلالها تصريحاته المدوية حول الاعتدال ونبذ التطرف، توالت التغييرات التصريحات والمواقف السعودية التي تصب في هذا الاتجاه. وتُوجت بتعيين الأمير الشاب محمد بن سلمان ولياً للعهد، والذي كان يقدم نفسه كإصلاحي وممثل لآمال وطموحات الشباب.
وتم بعد تلك الزيارة الإعلان عن الحدّ من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسماح للمرأة بقيادة السيارة. أي أن زيارة الرئيس الأميركي المثير للجدل، قد أعطت دفعاً قويا لعملية التغيير في السعودية، حيث تم إنشاء هيئة “لمراقبة تفسير الأحاديث” ففي الرياض وخلال جلسة حوارية، وعد الامير الشاب بتطبيق إسلام وسطي معتدل بقوله، “نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان”، مضيفاً “لن نضيع 30 سنة من حياتنا بالتعامل مع أفكار مدمِّرة، سوف ندمرها اليوم وفوراً وسوف نقضي على التطرف في القريب العاجل”. فالأمير الشاب يحظى بدعم شعبي كبير له وللإصلاحات الاقتصادية بين الشباب الذين يعلقون آمالاً كبيرة عليه.
لقد أدخل الفكر الوهابي المتشدد المجتمع السعودي في إشكالات ثقافية شديدة، وتناقض كبير مع ما يجري في العالم المحيط. وهناك اتجاه واضح من الدولة للخروج من براثن هذا الفكر المتشدد، الذي ساد خلال العقود الأخيرة، وهي عملية معقدة تحتاج، بلا شكّ، جهوداً مشتركة من الدولة السعودية والمجتمع، لكن الأهم أن هذا التحرك سيؤثر سلبا على النفوذ الكبير الذي يحتله دعاة الفكر الوهابي في الدول العربية القريبة والبعيدة الذي يشار إليهم، وإلى أتباعهم، تندّرا، بالجاليات السعودية في تلك البلدان، ومن ضمنها ليبيا التي أطلق مريدو الفكر الوهابي فيها اسم الشيخ صالح اللحيدان على أحد المساجد، وهو المعروف بفكره الوهابي، وله مؤلفٌ عنوانه “فضل دعوة محمد بن عبد الوهاب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى