مقالات مختارة

السراج والسلاح المنشود

د. جبريل العبيدي

السراج جاء إلى واشنطن وهو لا يمثل حتى 10% من الليبيين، لا أدري أتعلم واشنطن ذلك أم لا؟ ليس هناك أي توافق وطني يذكر، والمشهد في أعلى درجات التشظي، بل إن السراج لا يملك شرعية برلمانية، مما يجعل من زيارته لواشنطن مجرد مكاء وتصدية وتنازلات لعقود، وصفقات تحت مسمى شراكة، سوف ترهق كاهل الاقتصاد والخزينة الليبية، التي يعاني دينارها المحلي من السقوط المريع أمام الدولار، وصعوبة العيش أمام المواطن الليبي.

ضيافة ترمب للسراج في البيت الأبيض لن تخرج سياسياً عن مشهد احتساء كوب شاي دافئ قرب مدفئة البيت البيضاوي، فالإدارة الأميركية تهتم بالجانب الأمني في ليبيا، ولا تتأخر في اهتمامها للجانب السياسي، رغم أن السراج سيحاول استثمار الزيارة بأوجه عديدة، على رأسها الاستثمار السياسي أمام خصومه، وقد يستخدم صور جلوسه في البيت الأبيض لإرضاء أنصاره، ودفع شحنة معنوية لهم بأنه يلقى اعترافاً دولياً، فالحل السياسي في ليبيا ليس من أولويات أميركا، خصوصاً أن المنهج الأميركي في السياسة هو منهج براغماتي، الأمر الذي يفتح المجال أمام الكثير من الأمور التي قد يصعب استيعابها.

الإدارة الأميركية لن تقدم الكثير في مجال الحل السياسي، ولم تقدم أي محاولات لحل الأزمة الليبية، ولم تحاول منع التدخل الخارجي في ليبيا، فالإدارة الأميركية لم تقدم أي ضغوطات على الأطراف التي تغلغلت أيديها في الصراع الليبي، وهي تريد التقدم أمنياً أكثر منه سياسياً في ليبيا.

ليعلم الجميع أن المشكلة في ليبيا واضحة وضوح السراج المنير الذي خلقه الله، ألا وهي مشكلة الإسلام السياسي، وأن معظم الليبيين لا يريدون أي حكومة لها علاقة بالإسلام السياسي أبداً.

زيارة السراج للبيت الأبيض، التي جاء يمثل فيها جزءاً من الليبيين لا أكثريتهم، سبقها مقابلة واجتماع مع وزير الدفاع الأميركي في وزارة الدفاع الأميركية، في غياب وزير دفاع السراج، بينما طالب السراج نيابة عنه برفع حظر التسليح، ولكن بدلاً من أن يطلبه للجيش الليبي طلبه لفصيلين مسلحين، لا يملك السلطة والسيطرة عليهما، فالسراج أخطأ في طلب تسليح جهات غير أمينة على السلاح في ليبيا، ويخشى من ولائها وعقيدتها حول السلاح، ولا يستطيع السراج أبداً فرض السيطرة عليها.
كان الأجدر بالسراج الحضور إلى واشنطن ضمن توافق وطني، خصوصاً في ظل وجود نواة جيش وطني بدأت تتكون، وهناك مبادرات قائمة لتوحيده تقودها مصر، وعلينا ألا ننكر نواة جيش ليبي، فهناك مؤسسة عسكرية تنهض من جديد محاولة تضميد جراحها، ويمكن التعويل عليها بعد أن أثبتت جدارة في مكافحة الإرهاب ودحره، وتحقيق الأمان، وبنغازي خير مثال.

الواقع أن ليبيا ليست من أولويات السياسة الخارجية الأميركية، وما دعوة السراج إلا مناكفة سياسية للجانب الروسي فقط، بعد تقارب قيادة الجيش الليبي مع روسيا، وخصوصاً في التسليح.

أميركا تهتم بليبيا بسبب ملف محاربة الإرهاب، نظراً لتحصن «داعش» بها، وهي تهتم بالتقارب الأمني مع ليبيا، خصوصاً مع وجود قيادات لـ«القاعدة» ليبية قدمت بوادر توبة وتعاون أمني مع أميركا أفضت للقبض على مصطفى الإمام وقبلها بوختالة.
زيارة السراج إلى الولايات المتحدة، كانت زيارة عسكرية أمنية بامتياز وليست سياسية، فالولايات المتحدة استدعت السراج في محاولة توليد شراكة أمنية بينها وبين ليبيا، وقريباً سنشهد شركات أمنية سيئة السمعة مثل «بلاك ووتر» في ليبيا.
كان على رئيس حكومة الوفاق الوطني غير المعتمدة البحث عن سبل التوافق في ليبيا، بدلاً من طلب التسلح لميليشيات لا يملك السيطرة عليها، التي أرعبت الشعب الليبي بسلاحها المتهور، وأخلاقها الفجة، وسلوكها اللا إنساني. عليه أولاً أن يجمع سلاح هذه الميليشيات لا أن يطلب تسليحها، إذا أراد توافقاً وطنياً يؤسس لبناء دولة عصرية قبل أن ينفد النفط أو يوجد له بديل، وتصبح البلد قاعاً صفصفاً.

…………………….

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى