اخترنا لكمقالات

الراب والخراب وطريق الخريف الليبي !.. (1)

عبدالوهاب قرينقو

آخر زيارة لي كانت في مايو 2014 وبعد ثلاثة سنوات وخمسة أشهر عدتُ إلى ليبيا مع العائلة هذه المرة وحرصنا أن تكون الزيارة مفاجئة حتى لذوينا وأهلنا والأحباب هناك.

حين حلقت بنا الطائرة أيرباص 330 فوق سوق الجمعة لتهبط أرض مطار قاعدة امعيتيقة الجوية بدأت أنوار العاصمة طرابلس أقل اشعاعاً من المألوف ولاغرابة في ظل بقايا أزمة الكهرباء التي عصفت بعموم البلاد من البلاك آوت وطرح الأحمال والحلول التلفيقية للحكومات الهشة .. و فيما تبتعد الطائرة عن المدرج باتجاه صالة الواصلين بدأت مشاهدة ركام الخريف الليبي، وحدها طائرات البعثة الأممية الراقدة قرب الصالة تبدو بحالة جيدة وقد حملت شعار الــ UN .. لابد أن غسان سلامة ومجموعته ضيوف في حضن العاصمة الحائرة.

في صالة الاستقبال انتشرت عناصر أمنية لتأمين المطار وقد كُتبت على ستراتهم عبارة “قوة الردع الخاصة” فعبرنا قوس التفتيش وسير الحقائب ودخلنا ليبيا حيث كان العم والصديق الفنان عبدالله قرينقو كعادته في استقبالنا وبحفاوة.

كانت حواف الطرقات إلى وسط المدينة مغبرة وتستلقي عليها علب الصفيح وبقايا القناني الفارغة بدون أغطية وقد عرفنا لاحقاً أن الناس تجتهد في تجميع الأغطية البلاستيكية ويضعونها في قناني الماء الكبيرة حيث تباع الواحدة بـ 70 ديناراً ويزيد.

لاحظنا أن الإنارة في البيوت دون الطرقات والشوارع المظلمة لذا بدات أنوار العاصمة من الجو شاحبة وبرر العم الشغوف بحب طرابلس -رغم كل مشاق الحياة – أن ثمة أعطال في أعمدة إنارة الشوارع وسيتم إصلاحها!، فقدَّرتُ أن عمي يبرر ولا يريد أن يصدق أن شوارع العاصمة بلا كهرباء لأن البيوت أولى في محاولة لطرح الأحمال وربما هذا الحل أفضل ففي الشوارع يتدبر أصحاب السيارات أمرهم بمصابيح المركبات.

مررنا بإحدى السفارات الأوروبية – في احدى أرقى أحياء طرابلس -ورأساً لاحظنا ما يرتديه حراس السفارة من الليبيين: ملابس لا يمكن ارتداؤها حتى في “زردة” ولابأس مادام هذا أفضل الأسوأ فالمهم حراسة ضيوف البلاد التي تعيش أكبر”زردة”!.

في الحي الراقي الثري -أو ما كان كذلك- الشوارع مغبرة والجدران جلها متآكل من الإهمال والعوز .. وعند أول محل للمواد الغذائية لاحظت واقع غلاء الأسعار فثلاثة باكيهات عصير فواكه مختلفة بــ 15 دينارا.

في الصباح استيقظنا باكراً لنلحق بالخريف .. وصل السائق الذي سيغادر بنا إلى مدينة هون متأخراً وعذره أنه لا يفضل الحركة في الصباح الباكر حرصاً على سلامته الشخصية وسلامة من استأجره، لا سيما أنه سيهبط جبل نفوسة قادماً من غريان! .

تحركت بنا السيارة المرسيدس الزرقاء فيما تمطرها سماء طرابلس برذاذٍ خفيف من مطر .. عبرنا إلى تاجوراء ثم القره بوللي التي لاحت معها ذكرى أليمة عن اشتباكات غير بعيدة واحتراب بين ليبيين – يفترض أنهم إخوة وجيران- لنصل الخمس ثم زليطن فمصراتة.

لا شيء تغير كثيراً على حواف المدن المكلومة وحتى جديد البنايات هو من مجهودات واجتهادات أفراد مقتدرين ضمن مشاريعهم الاقتصادية ومقاولاتهم، باستثناء جسور مشاة أنيقة طُليت بالأبيض والبرتقالي في زليتن ومصراتة.

من طمينة وصلنا مشارف تاورغاء لتبدأ سمفونية الحزن المستمر فلا زالت مئات البيوت خالية من ساكنيها منذ سنوات ست والشوارع تبدو مقفرة تماماً ويباس عام هبط على ما تبقى من مزارع وحقول.

على إحدى اللافتات كتبوا:”حفرة الناموس” وعلى أخرى “تاورغاء سابقاً” لم يكف التهجير ودوام النزوح لِتُعلنَ الشتائم في أغرب مواقف الإلغاء والإقصاء للآخر.

انتهى الجزء الأول من سرد له بقية ولم يفهم القاريء ربما ما علاقة “الراب” أما الخراب لا اجتهاد لاكتشافه وأما الخريف فلتزامن الرحلة مع مهرجان الخريف ذائع الصيت الذي سنصله بعد ساعات من يوم الجمعة السادس من أكتوبر مع الجزء الثاني قريباً هنا مع خريف مغاير ينهك البلاد.

نلتقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع قريباً

خاص 218

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى