اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

الرابع عشر من كأس العالم.. والمنتخب الوطني

حمزة جبودة

(1)

في الرابع عشر من شهر يوليو 2014، شهد العالم المباراة النهائية لكأس العالم في البرازيل، بين المنتخب الألماني والمنتخب الأرجنتيني، وفازت ألمانيا بكأس العالم وقتها بعد إحرازها لهدف مقابل صفر للمنتخب الأرجنتيني.

وقتها كُنت جالسا بمقهى “City Cafe” بمدينة الزاوية، وكانت الشوارع شبه فارغة من الناس، لكون أغلبيتهم يُشاهدون المباراة النهائية في المقاهي والبيوت، أما أنا فكُنت أتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي وألعب تارّة أخرى بإحدى ألعاب السيارات على الهاتف. ولكنّ هذه اللحظات لم تصمد بسبب الكارثة التي وقعت حينها.

صور يتداولها نُشطاء على الفيسبوك، تكشف أن هناك اشتباكات مسلحة في محيط مطار طرابلس، اتصلت على الفور ببعض الأصدقاء في طرابلس وأكّدوا لي أن الأوضاع غير “مفهومة” ولم يعرف أحد حتى لحظة الاتصال، تفاصيل الاشتباكات. ولم يمض وقت طويل، حتى انتشر مقطع فيديو يظهر فيه “صلاح بادي” يقول فيه: الله أكبر المطار يحترق، حاملا في يديه جهاز لاسلكي، يجول بالقرب من أرض المطار. برفقته بعض المقاتلين الذين انضموا له في حربه على المطار.

كانت ليلة المباراة النهائية لكأس العالم 2014 في البرازيل، ليلة قاسية على كل ليبيا، بل كانت الفارق الذي غيّر ليبيا إلى مرحلة شرعنة الفوضى بشكل قانوني أكثر مما كانت عليه قبل يوليو 2014، ومنحت لكل الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط فُرصة “ذهبية” لاحتلال ليبيا دون عناء أو جُهد، وكل هذا كان بسبب أطراف سياسية دعمت بالمال والسلاح لأجل تدمير البنية التحتية في ليبيا، نعم، لتدمير البنية التحتية في ليبيا، لأنها أيقنت أنها خاسرة، لا أكثر!

أعرف يقينا أن البعض الآن يطرح سؤالا مفادهُ، ما علاقة هذا الحديث بليبيا اليوم، وهل هناك ربط بين كأس العالم وليبيا، لكونهما شكّلا توأمًا بسبب الخراب وبالبناء؟

سأجيب بكل وضوح نعم هناك ربط غريب ومثير للجدل، في 2014 أقدم “صلاح بادي” على حرق المطار تزامنا مع كأس العالم، وفي الرابع عشر من شهر يونيو للعام الحالي، أقدم إبراهيم الجضران بالهجوم على منطقة الهلال النفطي، الأمر الذي يُمكن أن يُعيد ليبيا إلى مرحلة ما قبل الـ2014. والأكثر غرابة من هذا كله، يأتي هذا الهجوم، بعد أن عاشت نوعًا ما فترة من الاستقرار النسبي، وشهدت فيها الجهود الرامية إلى المصالحة في كل ليبيا، وليس آخرها ملف تاورغاء، وهذا لوحده يجعلنا نتسائل، هل الطرف الذي دعم “قادة فجر ليبيا” هُو ذاته اليوم من يدعم إبراهيم الجضران؟! هل استعادة مدينة درنة يقلب المعادلة من جديد في ليبيا ويجعلها لصالح الخراب لا المصالحة؟ لكون مدينة درنة تعتبر الحصن الأخير للجماعات الإرهابية والمتحالفة مع بعض الأطراف في ليبيا، وبهذا يخسرون “ورقة درنة” في جولات الحوار القادمة؟

(2)

لعنة الرابع عشر، يوليو 2014 ويونيو 2018، ليست لُغزا إن فتّشنا عن أسباب الصراع الحقيقي في ليبيا، واتفقنا بأنه صراع اقتصادي بحدث لا سياسي كما يُروّج له في جولات الحوار. وحين نُحاول تشريحها بعد أن تمت تغذيتها ورعايتها على حساب الليبيين ومستقبلهم، سنكتشف أن لها جذور راسخة من سنوات، أول فروعها ، لُعبة المحاصصات و بعدها التوزيع الجغرافي للمناصب في ليبيا، إضافة إلى ترسيخ مفهوم الغنيمة، كل هذا وأكثر كانت نتيجته كارثية بكل المقاييس على ليبيا. والأكثر خطورةً من كل هذا، “شرعنة الفوضى” بترضية قادة الجماعات المسلحة، بعد نهاية كل اشتباك مسلح، عبر تعويض الأطراف المتصارعة بعلاج جرحاها، أو مدّها بالمال وإعطاءها الصلاحيات كبيرة، لا تُعطى إلا لمؤسسة الجيش والشرطة.

(3)

فازت ألمانيا بكأس العالم، وخسرت ليبيا مواردها وثرواتها بسبب “تجّار الخراب” ، الذين تحوّلوا إلى سياسيين على طاولة الحوار.. استمتع العالم بمشاهدة كأس العالم في البرازيل، وضاق حال الليبيين بعد حرق مطارهم وتهجير الناس من بيوتهم.. ترشّحت تونس ومصر والسعودية والمغرب لكأس العالم في روسيا، وبقينا نحنُ نُصارع أنفسنا على ذات الملفات “فبراير وسبتمبر” ومن بعدها من ألقاب جديدة.. تجاوزت مصر وتونس مرحلة الثورة وتقدّمت بخطوات ثابتة مراحل عدّة ووصلت إلى أن أصبحت شعوبها، تشجّع منتخباتها دون أن تسمع أن المدافع من المنطقة الجنوبية أو أن المهاجم من المنطقة الغربية أو ينتمي إلى قبيلة “عريقة”.. وبقت ليبيا رهينة للخطاب المتشدد والأوحد في آن، تارّة في خانة “الخيانة” وتارة في خانة “الكفر”.

فازت المنتخبات في منطقتنا، وخسرنا حين أحرق “الغُزاة” ثرواتنا ونهبها باسم الثورة والدين، فازت دول الجوار وبقينا نحن مثال حيًّا لمن يرغب في توعية شعبه من أثر الثورات.. وفي المقابل أحرق الجيران كل المراحل السابقة، ومضوا قُدمًا نحو أحلامهم وتطلعاتهم.. وتراجعنا نحن إلى الخلف أكثر.

فازت لحظة النشوة والمتابعة لمجريات كأس العالم في البرازيل، وخسِرت ليبيا، حين تركت “قُطّاع الطرق” والقتلة يلعبون على وتر الوطنية والوفاق.

(4)

لا أُشاهد مباريات كأس العالم، لا أشاهد أي نشاط كروي أو غيره، ولكن أشعر بالفرح حين أرى الجماهير الرياضية في ليبيا، تعيش لحظة النصر، لفريقٍ أو لمنتخبٍ ما، لأنني أعرف جيدا أن هذه الجماهير فيها من جميع الأفكار في ليبيا، ومنهم من يتعارض مع الآخر في الأزمة، ولكنّ كرة القدم، نجحت في مسح كل العقبات وجعلتهم صوت واحد، وفرحة واحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى