أخبار ليبياخاص 218

“الدستور”.. حقل ألغام في طريق التسوية الليبية

خاص 218| خلود الفلاح

اعتبر عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الدكتور إبراهيم البابا أن الملف الأكثر تعقيد أمام أي تسوية جديدة في ليبيا هو الدستور الشرعي المتوازن الدائم الذي يقوم بين السلطة والحرية ويخرج ليبيا من الوصاية الخارجية.

ويشير البابا أن المادة “195” فقرة “1” نصّت على أنه لا يجوز تعديل أحكام هذا الدستور، إلا بعد انقضاء خمس سنوات من دخوله حيز النفاذ.

ويرى إبراهيم البابا أنه قبل الاتفاق على إجراء انتخابات في 24 ديسمبر المقبل، يجب أن نسأل قبل ذلك، من اتخذ هذا القرار؟ وهل تم الإعداد له بشكل جيد؟، موضحًا: هناك من يريد إضفاء أهمية على هذا التاريخ رغم أن الأهمية الكبرى هي في انتخابات رئاسية وتشريعية وفق دستور دائم حتى ولو أدى الأمر إلى تأخر الانتخابات لبضعة اشهر.

_ كيف ترى المشهد اليوم في ليبيا؟

– هذا سؤال واسع، للأسف الملف الليبي بشكل عام خرج بشكل كبير من أيادي الليبيين، وهو الآن في أيادي الدول المتدخلة الإقليمية والغربية، لا يمكن أن يرجع إلى الليبيين إلا من خلال أن يكون لليبيا رئيس وسلطة تشريعية وفق دستور دائم مبني على الفصل بين السلطات والتوازن والرقابة بينهما ويراعي الخصوصية الليبية، ويأخذ في الاعتبار التجارب الدستورية المقارنة، بالتأكيد؛ هذا لن يتم الحصول عليه بسهولة، فالدول المتدخلة لها مصالح في ليبيا، وليبيا هي عبارة عن ملف من ضمن ملفات ساخنة عدة في المنطقة، وبالتالي لن تسمح بسهولة وجود هذه السلطة الدائمة المستمدة من الشعب، هذه المسألة تحتاج إلى نضالٍ كبيرٍ خاصةً من النخب.

ـ هل الحكومة الجديدة قادرة على معالجة الملفات الأكثر إلحاحًا، وتحقيق المصالحة الوطنية والتحضير للانتخابات المقبلة؟

ـ من وجهة نظري، ما تستطيع أن تقوم به الحكومة ويعتبر نجاح لها هو شيئان اثنان: معالجات مؤقتة للوضع الاقتصادي والخدمي، ووضع القطار على السكة من خلال تمكين الليبيين من الاستفتاء على الدستور وقيام مؤسسات تنفيذية وتشريعية سيادية دائمة.

لن تستطيع هذه الحكومة أو غيرها معالجة ملفات كبيرة، مثلاً ملف المصالحة الوطنية يحتاج إلى بناء دستوري دائم، فالبناء الدستوري الذي ينظم عملها وباقي المؤسسات السيادية في الدولة الآن هو بناء مؤقت وغير متوازن وفيه العديد من الثغرات والانسدادات، تم تصميمه لفترة مؤقتة بطريقة سريعة ولم يشارك الليبيون في إعداده ولا حتى الخبرات الدولية.

 

 

ـ هناك من يرى أنه من الأنسب في هذه المرحلة إصدار قانون لانتخاب جسم تشريعي جديد ومن ثم يعكف المجلس التشريعي الجديد على النظر في مشروع الدستور ونظام الحكم في مرحلة أكثر استقرار. ما رأيك؟

ـ إن الدساتير التي تعدّ في مراحل الاستقرار في العادة هي دساتير شكلية لشرعنة حكم شخص معين أو حزب معين، الدساتير في الأصل تعد أو تعدل في حالتين: أثناء الأزمة أو توقع حدوث أزمة، ومشروع الدستور يُراد إقراره أثناء الأزمة وهو الاصل، وبناء على ذلك يكون الاستفتاء أولاً وبعدها انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق الدستور الجديد الدائم.

هناك سؤال يجب ان يُطرح بهذا الخصوص وهو هل انتخاب سلطات جديدة غاية ام وسيلة، لقد كانت هناك انتخابات تشريعية في 2012 وأخرى في 2014 ، فماذا كانت النتيجة. لماذا نسلك نفس الطريق ونتوقع نتائج مختلفة، الغاية هي الاستقرار، والاستقرار لا يتأتى إلا من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق دستور دائم وشرعي ومتوازن، في انتخابات المؤتمر الوطني ومجلس النواب كانت بعض النخب الداعمة لإقامتها يحتجون بعدم وجود دستور دائم، الآن؛ هذه الحجة رغم ضعفها غير موجودة بعد إقرار مشروع الدستور من الهيئة الذي لا تنقصه إلا خطوة واحدة ليكون دستور دائم وهي الاستفتاء.

للأسف؛ هناك وسائل إعلام ونخب تُحاول تسويق مسألة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وكأنها حل لكل المشاكل التي تمرّ بها ليبيا، وقد تم القيام بالشيء نفسه من قبل الانتخابات السابقة.

مشكلة ليبيا الحقيقية منذ إصدار الإعلان الدستوري، ومرورًا بالاتفاق السياسي وانتهاءً حتى بالوثائق المنبثقة من لجنة الحوار؛ مجهولة المصدر أو على الأقل أصلها ليس ليبي، هي الدستور الدائم.

مسألةٌ خطيرةٌ أخرى يتم تناولها وهي الانتخابات الرئاسية وفق قاعدة دستورية مؤقتة، هذه الكارثة بعينها بحيث يتم القضاء على ما تبقى من أحلام الليبيين من قيام دولة ديمقراطية مبنية على التداول السلمي على السلطة والفصل بين السلطات، ما الذي سيمنع الرئيس المنتخب وفق دستور مؤقت وغير مراقب من إلغاء المسار الدستوري وتشكيل لجنة جديدة يشكلها لتضع دستور على مقاسه، الليبيون انتخبوا سلطات تشريعية مؤقتة، لازالت مستمرة في الحكم بحجة الفراغ السياسي، فكيف سيكون الأمر في حالة انتخاب رئيس مؤقت؟.

ـ برأيك، متى سينتهي الجدل حول مسودة مشروع الدستور الليبي؟

ـ أولاً، الاسم الصحيح للمخرج الذي أقرّته الهيئة التأسيسية هو “مشروع الدستور” كما ورد في الإعلان الدستوري المؤقت، وليس “مسودة مشروع الدستور”.

ثانياً، ما هو المقصود تحديدًا بـ”الجدل”، إذا كان المقصود بالجدل هو أن بعض الليبيين رافضين للمشروع أو بعض نصوصه فهذه ظاهرة صحية حدثت في العديد من التجارب الدولية، فكل استفتاء على دستور جديد أو تعديل دستوري يسبقه جدل ونقاش ويكون هناك مؤيدين وهناك معارضون وبعد ذلك يستفتى الشعب لتكون كلمته وهي الفيصل.

أما إن كان المقصود بالجدل الذي احدثه تمكين بعض “النخب” من الظهور المتكرر في وسائل إعلام مجهولة التمويل لإرهاب الشعب الليبي وتخويفه من خلال رفع شعارات مختلفة، وحرمانه من قول كلمته في مشروع دستوره الذي شارك في صناعته من خلال اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية، ومن خلال المشاركة بتقديم المقترحات وتنظيم الاجتماعات بعد ذلك، هذا الجدل مرفوض تمامًا، وفيه وصاية على الشعب الليبي ومصادرة لحقه في الاستفتاء الذي تضمنه الدساتير كافة والإعلانات الدولية.

ـ استبعاد أعضاء الهيئة التأسيسية من حضور نقاشات الغردقة حول المسار الدستوري. كيف تبرره؟

ـ استبعدت الهيئة التأسيسية من قبل بعثة الأمم المتحدة من المشاركة بل حتى من الحضور الغير رسمي من كافة المسارات ليس المسار الدستوري فقط، رغم مطالبة الهيئة بشكل رسمي بوجوب تمثيلها في ملتقى الحوار الوطني، وعلى الرغم من أن كل ما يٌناقش فيه من وثائق هي “قضايا دستورية” ابتداءً من السلطة التنفيذية وخارطة الطريق وانتهاءً بالميثاق الوطني.

أيضًا استغلال البعثة عدم خبرة من تم اختيارهم في هذه القضايا لتمرير ما تريد تمريره، هذا ليس تشكيك في وطنية أحد حيث تجمعني بهم معرفة سابقة، أيضًا أعضاء الهيئة التأسيسية كانت تنقصهم الخبرة عند بداية أعمال الهيئة حتى القانونيين منهم.

الدستور الليبي

في أولى جلسات المسار الدستوري بين مجلسي النواب والدولة، مثلاً؛ حضر بعض الزملاء بصفة شخصية “كمستشارين” وكانت البعثة منزعجة جدًا من وجودهم بل منعوا من حضور بعض الأيام وبعد ذلك منعوا من الحضور في الجلسات اللاحقة في الغردقة.

ـ تباينت الآراء حول مشروع الدستور، بين معارض ومؤيد لإمكانية صلاحيتها لتكون القاعدة الدستورية، التي تمهد لإجراء انتخابات نهاية العام الحالي. والسبب الاعتراضات الواسعة، خصوصًا بين الأمازيغ والتبو والطوارق. كيف ترى المسألة من وجهة نظرك؟

ـ مسألة المعارضة مسألة صحية في الأنظمة الديمقراطية ومن يطلب الاجماع يطلب المستحيل، المسألة الأساسية والخطيرة هي أن البعض يريد أن يكون وصي على الشعب الليبي وحرمانه من حقه الدستوري عبر الاستفتاء.

الرأي القائل باعتماد مشروع الدستور كدستور مؤقت وتقوم انتخابات بناء على ذلك هو الرأي الاصوب، فمشروع الدستور أكثر مشروعية من أي وثيقة أخرى لأنه تم اقراره من هيئة منتخبة داخل ليبيا بنصاب الثلثين وكانت أصواتهم من كل مناطق ودوائر ليبيا وشارك الليبيون كافة في الداخل والخارج في اعدادها سواء من خلال تقديم مقترحات، أو لقاءات داخل الهيئة، أو تواصل بعض أعضاء الهيئة مع المناطق والمدن والمهجرين في الخارج، على عكس أي وثيقة أخرى سابقة كالإعلان الدستوري المؤقت الذي أعدته لجنة مختارة بعد 2011 أو وثيقة يُراد إنشاؤها من ملتقى الحوار الذي كما هو معلوم تم اختيار جل أعضائه من قبل بعثة الأمم المتحدة بدون معايير واضحة، فمشروع الدستور الذي

مشروع الدستور أيضًا إطار دستوري متوازن متوافق مع الخصوصية الليبية في العديد من نصوصه ويراعي المعايير الدولية، مبني على الفصل بين السلطات والتوازن والرقابة بينهما ويحمي الحقوق والحريات، أخذ بالمعيار الجغرافي في السلطة التشريعية واختيار رئيس الدولة وتوزيع المؤسسات كافة، بالإضافة إلى ذلك تم تصميم حكم محلي مبني على اللامركزية الموسعة وتمييز إيجابي للمرأة والمكونات ومناطق انتاج الثروات الطبيعية وذلك كله في إطار وحدة الدولة الليبية.

أما ما يخصّ المكوّنات، فمكون الطوارق صوت أعضائه على مشروع الدستور، وهم داعمين للمشروع، مكوّن التبو شارك في انتخابات الهيئة التأسيسية وشارك في جلسات الهيئة ثم بعد ذلك قاطع أعمال الهيئة التأسيسية لأنه يطالب بمسائل لا تخص المكونات تحديداً بل تخص الليبيين جميعاً وهي لا علاقة لها باللغة والهوية وهذه المسائل تحديداً هي: تسمية محافظتين في أماكن تواجدهم وهي محافظة “قدرفي ـ ربيانا ـ واو الناموس” ومحافظة “القطرون ـ تاجرهي” رغم أن المشروع لم يسمي أي محافظة؛ إنما نص النص على ضمان أن يكون هناك ممثل للتبو في أي حكومة؛ وإلغاء النصّ الخاص بمراجعة الجنسية التي أعطيت بعد 15 / 02 / 2011 ، رغم أن هذه المسألة تخص الليبيين جميعًا وليس المكونات.

بالنسبة للمكوّن الأمازيغي؛ فقد قاطع كل الانتخابات بما فيها انتخابات الهيئة التأسيسية ومع ذلك كانت الهيئة التأسيسية على تواصل دائم معهم، وشكّلت لجان عدة وذهبت إلى مناطقهم ولازالت متواصلة معهم والكثير من نخبهم مؤيدين لمشروع الدستور، بل في الأشهر القليلة الماضية تواصل معي شخصيًا أحد أعضاء المجلس الأعلى لامازيغ ليبيا، وأكد في نهاية التواصل أنهم سيدعمون مشروع الدستور بشرط إمكانية تعديله بعد فترة وهذا ما هو منصوص عليه أصلاً في مشروع الدستور، ولكن للأسف لم يحدث شيء بعد ذلك.

بشكل عام “مشروع الدستور” كان متقدمًا جدًا في مسألة ضمان حقوق المكونات اللغوية والثقافية، فتم تسمية ليبيا بالجمهورية الليبية من غير ذكر اسم العربية في اسم الدولة “المادة 1”.

ونصّ على المساواة وعدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو اللغة “المادة 7″، وعلى قيام الهوية الليبية على ثوابت جامعة ومتنوعة “وليس الهوية العربية” “المادة 2″، وأن تكون اللغات التي يتحدث بها الليبيون أو جزء منهم العربية والأمازيغية والتارقية والتباوية تراثًا ثقافيًا ولغويًا ورصيدًا مشتركًا لكل الليبيين وتضمن الدولة اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها وضمان المحافظة على أصالتها وتنمية تعليمها واستخدامها “المادة 2″، كما نصّ على أن ينظم القانون في أول دورة انتخابية تفاصيل إدماج اللغات الليبية الأخرى في مجالات الحياة العامة على المستوى المحلي ومستوى الدولة “المادة 2″، وعلى أنه للأشخاص أفرادا وجماعات الحق في استخدام لغتهم وتعلمها والمشاركة في الحياة الثقافية وتضمن الدولة حماية اللغات الليبية وتوفير الوسائل اللازمة لتنمية تعليمها واستخدامها في وسائل الإعلام العامة كما تضمن حماية الثقافات المحلية والتراث والمعارف التقليدية والآداب والفنون والنهوض بها ونشر الخدمات الثقافية “المادة 55″، ودسترة المجلس الوطني لحماية الموروث الثقافي واللغوي حيث يتولى تنمية اللغات الليبية وحمايتها كالعربية والامازيغية والتارقية والتباوية والمحافظة على الموروث الثقافي واللغوي المتنوع للشعب الليبي وتوثيقه والاهتمام به بما يكفل المحافظة على أصالته في إطار الهوية الليبية الجامعة ويراعى في إدارة هذا المجلس تمثيل المكونات الثقافية واللغوية “الأمازيغ والطوارق والتبو” “المادة 160″، وضمان تمثيل الحد الأدنى للمكونات الثقافية واللغوية “الأمازيغ والطوارق التبو” في تكوين مجلس النواب “المادة 68″، وضمان تمثيل المكونات الثقافية واللغوية “الأمازيغ والطوارق والتبو” بواقع عضوين من كل مكوّن في مجلس الشيوخ “المادة 75″، وضمان تمثيل المكونات “الأمازيغ والطوارق والتبو” في المجلس الوطني لحقوق الإنسان “المادة 159″، وعند تعديل الدستور لا يجوز المساس بالمبدأ الذي تقوم عليه المادة “2” “الهوية واللغة” ولا بالضمانات المتعلقة بالحقوق والحريات إلا لغرض تعزيزها “المادة 194”.

ـ هل سنرى أصوات تُطالب ببطلان التصويت على مشروع الدستور؟

ـ مشروع الدستور تم إقراره من هيئة منتخبة من قِبل الشعب مباشرة وبنصاب الثلثين المنصوص عليه في الإعلان الدستوري، هي جهة مستقلة بذاتها، لا سلطان عليها ولا معقب على أعمالها إلا من قِبل الشعب، وهو ما قضت به المحكمة العليا الليبية في حكمها الصادر بتاريخ 14 فبراير 2018، والذي قررت فيه بأن المشروع الدستوري “لم يجعل تبعية الهيئة لأي سلطة، وذلك حماية لها من أي توجه أو تدخل، حتى تتمكن من القيام بالمهمة الموكلة إليها، ولا سلطان عليها في ذلك إلا مراقبة العلي القدير، وما يمليه عليها واجب حملها للأمانة التي قبلتها، ثم رقابة الشعب صاحب السلطات عبر استفتاء عام حول مشروع الدستور الذي أنجزته، فله وحده أن يقبله أو يرده عليها”. كذلك الأجسام التشريعية الموجودة، الآن، تقر بشرعية الهيئة التأسيسية والمشروع ولعل آخرها اعداد قانون الاستفتاء من قبل مجلس النواب والتوافق على الاستفتاء على مشروعها في الغردقة، أمّا من يُعارض مشروع الدستور فلا يملك إلا صوته يوم الاستفتاء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى