أخبار ليبيااهم الاخبار

“الخطوط الحمراء” في الصحافة الليبية.. من يضعها؟

218| خلود الفلاح

في ظل الفوضى وغياب القانون؛ يعمل الصحافي الليبي بحذر شديد، وفي الوقت ذاته تغيب التشريعات التي تضمن حقوق الصحافيين، وتوفر لهم الحماية، وسهولة الحصول على المعلومات دون تضييق من أي جهة.

لذلك؛ يطالب الصحافيون الليبيون بضرورة وضع ضوابط وقوانين تنظم العمل الصحافي خاصة وأن آخر تشريع صدر في ليبيا بخصوص الصحافة يعود إلى عام 1972م، هو تشريع قديم ويحتاج إلى تطوير بما يواكب المستجدات في طبيعة ممارسة العمل الصحافي، كما أن ذلك القانون يتضمن العديد من المواد التي تقيد حرية الصحافة، وتحد من حرية الصحافيين.

ولكن، في غياب المعايير والقوانين التي تنظم العمل الصحافي. يعني ذلك أن الصحافي يعمل وفقا لمزاجية من يسيطرون على المشهد الليبي. وهنا نسأل: هل يعني ذلك أن الصحافة والصحافي الليبي في خطر؟

وقال أستاذ الصحافة بجامعة الزيتونة الليبية عادل المزوغي: لا زالت الصحافة الليبية مُتأثرة بالظرف السياسي للسلطة وتسير وفق القيود المرسومة لها. ويلفت المزوغي إلى أنها لا تنتقد أداء الحكومة على طول الخط مهما تسببت السياسات العامة للحكومة في إحباط المواطن، ولا تستطيع المساس بالأطراف الفاعلة في المشهد الليبي بمختلف مسمياتها.

واستطرد: “دائمًا هناك حرص وحذر مبالغ فيه في سياسات تحرير الصحف الليبية بالابتعاد والتجنب قدر الإمكان عن مناكفة تلك الأطراف لأن العقاب سيكون عسيرًا حتى في المسائل التي تمسّ الموضوعات والثوابت الوطنية والدينية، وحتى عدم المساس بالأمن المجتمعي؛ هو محل خلاف ويخضع لمساومات رهينة اللحظة والموقف ومزاج السلطة الفاعلة على الأرض، لا تزال صحافتنا خانعة لجبروت السلطة مع غياب متعمد لهوامش الحرية الإعلامية”.

وتحدث عادل المزوغي عن أن الخطوط الحمراء تعني أن هناك معايير وقواعد وقوانين تنظم مهنة الصحافة، هذا هو الاستفسار والتساؤل البديهي، والإجابة عنه تصل بنا إلى حقيقة مفادها أنه لا يوجد لدينا لا معايير ولا قوانين ولا قواعد حديثة تحكم العمل الصحافي، بل مخاوف فقط.

وعلى نحول آخر ، يتابع المزوغي: وإذا أمعنا النظر خطوة واحدة إلى الأمام؛ سنجد أن هناك انفلات عبر المواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي وانهيار لكل خطوط التماس ضد سطوة السلطة وما لا تسطيع الصحافة كتابته وتدوينه؛ تشبعه المواقع الالكترونية والتواصل الاجتماعي نقدًا وفحصًا ونشر الغسيل، ومثالا على ذلك في المعركة الانتخابية لم تتناول الصحافة الليبية الرسمية بالنقد مترشح الحكومة لا سلبيًا ولا حتى إيجابيًا ولا حتى مترشحين آخرين، في حين تم تفجير كل الخطوط الحمراء في وسائل إعلامية ليبية أخرى لا تطالها يد الحكومة وفضح المستويات الدراسية وحالات التزوير في الشهادات المقدمة للترشح.

ويرفض عادل المزوغي، الخطوط الحمراء الوهمية التي تمارسها السلطة على الصحافة والتي بالأساس تعاني من قضية النشر والطباعة، وكثرة المرتجع وندرة البيع والتسويق وغياب المتابعة الجماهيرية، وبالتالي فهي غير قادرة على قوة التأثير التي تذهب مباشرة إلى الشبكات الإلكترونية المتعددة.

وفي ختام حديثه، بيّن أستاذ الصحافة عادل المزوغي، أن هناك معايير عالمية للصحافة، تحكم المهنة وتنظم عمل الصحافيين، ولكن تطبيقها ومسألة فهمها واستيعابها يختلف من مؤسسة لأخرى ومن صحافي لآخر ومن مجتمع لآخر، وهذا ما يخلق اللغط فيما لو كان هناك خطوط حمراء أم لا؟ وهل يمكن الالتزام بها؟ لا نستطيع الفرز بين ما هو خط أحمر أو أخضر، هناك أمور كثيرة متشابهة في غياب تحديث القوانين، وسيبقى الصحافي الليبي يمشي على الأشواك دون؛ غيره لغياب السياسات التي تؤطر الدولة ومن ثم الصحافة وقوة تأثيرها.

صحافة مدعومة

ويرى الباحث في مجال اضطراب المعلومات مراد بلال، أن مصالح أطراف النزاع الفاعلة على الأرض هي الخطوط الحمراء الحقيقية، الصحافة الليبية التي تستطيع تخطي هذه الخطوط هي الصحافة المدعومة بطرف من الأطراف ذاتها وتكرس قدراتها ضد الخصم.

ونسأله: إلى أي مدى تعتقد أن الأخبار الزائفة تشكل عائقا أمام تطور الصحافة الليبية؟ فيقول: “الأخبار الزائفة شكل من أشكال المعلومات المضللة والخاطئة التي تمثل مع المعلومات الضارة قوام اضطراب المعلومات ككل، الأخبار الزائفة تشكل نفعًا وضررًا على الصحافة، نفعًا في حال تحولها إلى دافع لتطوير أدوات الرصد والتحليل والتدقيق والتوعية، وضرراً في حال الوقوع في فخها والنقل عنها دون قدرة على تمييزها لتتلوث بها وتنعكس سلبيًا على مصداقية الصحافة ذاتها. باختصار فإن الأخبار الزائفة دافع إضافي للتطوير من جانب الوقاية على الأقل”.

المال الفاسد والسلاح

ويذهب الصحافي والكاتب المستقل رزق فرج رزق، إلى أنه في ظل الفوضى وغياب الرادع الحقيقي وهو القانون انقلبت المعايير وباتت الخطوط الحمراء توضع على حساب مهنية الصحافة، ومن يرسم هذه الخطوط الحمراء هم أصحاب النفوذ “المال والسلاح”، حتى تحول بعض الصحافيين إلى مرتزقة ومستكتبين ينطقون بصوت الفساد المالي والأخلاقي.

وواصل: في الصحافة الليبية؛ تظل النظرة إلى طبيعة المجتمع ومعتقداته والتعامل مع الحريات الشخصية والأديان نظرة دونية قاصرة، بقصد أو دونه بعض وسائل الإعلام تنتهك الحريات، وتتعدى على الحرمات، وتأخذ دور الواعظ والمرشد، وبعضها الآخر لسان حال السلطة والمدافع دون مبرر عن الحاكم، ناهيك عن عدم احترام مواثيق شرف المهنة ومدونات سلوكها.

وطالب رزق، بضرورة عودة الصحافة إلى نزاهتها وذلك بوضع ميثاق ملزم يمنح الحقوق ويقيد الانتهاكات، وقال: أقصد بالانتهاكات تلك التي تحدث من السلطات المخترقة للقوانين، وكذلك الظلم المجتمعي الذي ضحيته الوسيلة الإعلامية وبالتالي الصحافي نفسه.

وأضاف: هناك خطوط حمراء ذاتية يلتزم بها المهني من تلقاء نفسه، حتى إن لم تفرضها سياسات التحرير، كالالتزام الأخلاقي واحترام حرية الآخرين، والوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف.

ويرفض رزق فرج رزق، ما تمارسه بعض الوسائل الإعلامية الليبية من تحريض على العنف والتنمر على وسائل إعلام أخرى وربما إعلاميين بعينهم.

ويضيف: ” الوسط الإعلامي في ليبيا في حاجة إلى إعادة هيكلة في القطاعي العام والخاص، من التراخيص وأذونات المزاولة، مروراً بالمحتوى وصولاً إلى تدريب الكوادر بعناية تدريباً شاملاً، أداءً وسلوكًا، ومن ثَم ترتسم الخطوط الحمراء المشروعة، ويُستبعد كل ما يمس المهنة وتُخلق بيئة محصنة تحمي الصحافة ومن يمتهنها”.

وأفاد الصحفي رزق فرج رزق، في هذا الصدد، أن هناك خطوطًا حمراء تصطدم بها حرية التعبير ربما هي أمر نسبي إلى حد ما، والتعامل معها يتطلب مهنية عالية وتدريب خاص للصحفي، يمكننا التمثيل لها، لا للحصر، بتناول موضوعات ذات طابع عشائري تُعد خطًا أحمر، كذلك سجلات السجون بمعنى الجرائم والمجرمون، هي من المحظورات، أو يمكننا القول بأنها تتطلب خبرة في التناول واختيار الزاوية، والابتعاد عن مناطق التشهير وشيطنة الخصوم.

التقارير الكيدية

من جانبه، تحدث الإعلامي منير يوسف، عن خطوط حمراء تفرضها الجهات الحاكمة في البلاد لا يعرفها الصحفيين ويمنع المساس، هي تكمن في رؤوسهم، كلٍّ بحسب فهمه وطريقته، ويفصّلونها بتقارير كيدية على من يشاؤون متى خالفهم أو لم يرقَ لهم طرحه، ولا حسيب ولا رقيب عليهم في ظل تفشي الفساد والفوضى وغياب الرقابة وسلطة القانون.

ويتابع: التاريخ قد سجل القتل والسجن التعسفي والتغييب القسريّ لكثير من المواطنين الصحفيين وغيرهم منذ سنوات، فالمُغيّب الناشط المدني والحقوقي معز بانون الذي حُقق معه بعد اختطافه في سجن الهضبة، كما صرّحت وكيلة حقوق الإنسان في وزارة العدل سابقًا، ما يزال مصيره مجهولاً منذ سبع سنوات، ومنصور عاطي الصحفي ورئيس فرع الهلال الأحمر اجدابيا والناشط المدني اختطفته جهة مجهولة من سيارته وسيكمل سبعة أشهر قريبًا، اتهاماتهم، حتى اليوم، أنهم وطنيون ينادون بدولة مدنية يحميها دستور وقانون ويسودها العدل والمساواة، ولم يسمع شذاذ الآفاق الخارجون عن القانون للمطالبات المحلية والدولية بالإفراج عنهما، مما يؤكد أن الصحافي والناشط والمواطن لا يأمنون على حياتهم في وجود القتلة والمجرمين الذين يحكمون بقانون الغاب فإمّا أن تكونوا معنا أو نعدّكم في دستورنا أعداءً لنا ونحاكمكم بالقتل والخطف.

ويرفض الإعلامي منير يوسف، ما يمكن تسميته “الخطوط الحمراء”، إذ إنه في الصحافة الحرة لا وجود لها، بل يحكمها ميثاق شرف وأخلاقيات المهنة الذي يوجب على كل صحفي الالتزام به في كل الأوقات والظروف، كان الله في عون كل صحافي فهو في حالة ذعر مستمر، متى كانت الحقيقة هدفه، وعندما يتخلى الصحافي عن أخلاقيات مهنته يصير “مُطبلاً” لجهة تحميه، وفي هذه الحالة؛ تكون الصحافة منه براء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى