كتَـــــاب الموقع

الحب والرغبة والعلاقات، عند سارتر (2)

توم بتلر بودون

ترجمة: عمر أبو القاسم الككلي

هدية فريدة

هذا الدفع والجذب بين الموضوعية  objectivityوالذاتية subjectivity هو قلب كل النزاعات والقضايا غير المحلولة في الحب، يقول سارتر. العلاقات رقص دائم بين المحبين الذين يحتاج كل منهما إلى إدراك حرية الآخر، وكل منهما يريد رؤية الآخر كموضوع. دون أن يكون الآخر حرا، لن يكون جذابا، ومع ذلك فإذا لم يكن على نحو ما موضوعا، فلن يكون لنا. فقط من خلال الإقرار بحرية الآخر الكلية يمكننا القول إننا “نمتلكه” على نحو من الأنحاء.

تحويلنا أنفسنا، طوعا، إلى موضوع كي يستخدمه الآخر يعد ضربا غريبا من كوننا أناسا سامين، حيث إنه نوع من العطاء يعاكس طبيعة الإنسان الصميمة في أن يكون حرا. إنه هدية فريدة.

وكما أخبرنا كتاب سيرة سارتر، فإن سارتر نفسه لم يكن نموذجا لهذا النوع من الالتزام. فهو وتلميذته الفيلسوفة سيمون دو بوفوار، وتطابقا مع اعتراضهما على كل قيم الطبقة الوسطى أو البرجوازية، لم يتزوجا أو ينجبا أطفالا. إلا أن اتحاد عقليهما جعلهما زوجا [ثنائيا] couple من الأزواج العظماء في القرن العشرين. عاشا معظم حياتهما في شقق يتبادلان فيها التقاذف بالحجارة، كما يقضيان بضع ساعات من اليوم يتحدثان ويدخنان. وقد اعترف سارتر ودو بوفوار أنه من الصعب معرفة أي أفكار في كتاباتهما كان مصدرها أحدهما أو الآخر.

شرح الرغبة الجنسية

يرى سارتر أنه لا توجد علاقة للرغبة الجنسية بالأعضاء الجنسية، بقدر علاقتها بحالات الوجود states of being. فنحن كائنات جنسية منذ الولادة حتى الموت. ومع ذلك فالأعضاء الجنسية لا تفسر مشاعر الرغبة لدينا.

رغبة ماذا؟. يسأل سارتر. إننا لا نرغب في شخص بهدف المتعة فقط، أو لأنه وعاء لفعل القذف الممتع. بل نحن، وكما تقدم أعلاه، نرغب الوعي consciousness . ثمة فجوة كبيرة بين الرغبة العادية والرغبة الجنسية. إذ يمكننا الرغبة في شرب كوب ماء، وبمجرد شربه نشعر بالرضا. الأمر بهذه البساطة. لكن الرغبة الجنسية تتخلى تضحي بي compromises me، يلاحظ سارتر. الوعي يصبح “متجلطا” بسبب الرغبة، أو، بتعبير آخر، الرغبة تغزونا. نستطيع السماح بحدوث هذا أو إيقافه، إلا أن الشهوة الجنسية، في جميع الأحوال، تختلف عن سواها، طالما أنها تقحم العقل وليس الجسد فقط. فنحن نقول إن الرغبة “تتملكنا”، أو “تغلبنا”، وهي تعابير لا نستخدمها في علاقتنا بالجوع أو العطش.

يماثل سارتر الرغبة الجنسية بالوقوع تحت غلبة النوم، الذي قدرتنا على صده محدودة. الوعي يترك المجال لأن نكون أجسادا فقط. خلال الجنس نتوق إلى جعل الشخص الآخر مجرد لحمflesh (وهكذا نكشف عن أننا مجرد لحم). المداعبة، يقول سارتر، “تجعل لحم الآخر يولد” لإيقاظ الرغبة فيه، وتجعلنا في نفس الوقت ندرك أنفسنا كجسد body، جسد ينتمي إلى العالم. يصف سارتر التفاعل بين العقل والجسد كالتالي: الوعي مغمور في الجسد المغمور في العالم”. وعلى الرغم من أننا كائنات واعية، فإننا في ممارسة الجنس نتمنى اختزال الآخر إلى الغرائزية [الحيوانية] physicality، واختزال أنفسنا في مجرد جسد، ولو لفترة قصيرة.

الشيء الذي لم أتوقعه وأنا أتهيأ لكتابة دليل للكتابات الكلاسيكية في الفلسفة، أن أجد تبصرات راقية بشأن العلاقات. وعلى الرغم من أن الكتب المتعلقة بمبحث أعصاب الحب، وعلم المواعدة أو الاختلافات بين الجنسين، قد تكون مثيرة للاهتمام، إلا أنها لا تعالج قضايا الكائن Being والآخر  Otherالأساسية التي حددها سارتر بألمعية، القضايا التي تمثل محور أي زوج couple. لأن سارتر وبوفوار كانا راغبين في المضي أعمق، فإن أفكارهما بشأن الكائن والحب والعلاقات تظل من أكثر الكتابات نفاذية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى