العالماهم الاخبار

الجزائر “بعد بوتفليقة”.. دور الدولة العميقة وقصة “الرجل الغامض”

يجري العمل “من تحت الطاولة” في مراكز صنع القرار الجزائرية، حتى لا تهتز “القلعة الحاكمة” في البلاد بعد وفاة أو تنحي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذي أقعده المرض، مع بقاء خيار ترشحه مُجددا لانتخابات الرئاسة المزمع اجراؤها في مايو 2019، واردا.

الجزائريون يسلّمون بأن جهودا خفية تعمل على قدم وساق كي لا يتغير شيء بعد بوتفليقة، لكن كثيرون يعتقدون أنه إذا قرر بوتفليقة التنحي فستكون الشخصية التي سيتم انتخابها لخلافته ثانوية. ويقول مراقبون إن نخبة حاكمة قوية يهيمن عليها الجيش ستدير شؤون البلاد من وراء الستار.

وربما يمثل ذلك بشرى سارة لنخبة بدأت تتقلص من قيادات جبهة التحرير الوطني التي يغلب عليها كبار السن وأباطرة الأعمال وقادة الجيش المتحالفون معها ويشاركون منذ مدة طويلة في إدارة الحياة السياسية في البلاد.

ومع ذلك فهذه الطبقة تمثل مصدرا للشعور بالإحباط لدى الشباب الجزائري الذي لم يعرف رئيسا آخر. ولا ينشغل هؤلاء كثيرا بمن يتولى دفة الأمور في البلاد بل يقلقون على الوظائف في وقت تسجل فيه البطالة مستوى مرتفعا وتنخفض فيه أسعار النفط وتشهد البلاد تقشفا اقتصاديا.

وقد انتشرت التكهنات في الخارج حول ما سيحدث للجزائر بعد رحيل بوتفليقة الذي زار أوروبا عدة مرات للعلاج ومكث في مستشفى بفرنسا عدة أشهر بعد إصابته بالجلطة.

غير أن حلفاء النظام يعتبرون المسألة محسومة في الجزائر التي تبدو واحة استقرار في منطقة تجتاحها الاضطرابات.

وقال أنيس رحماني مدير تلفزيون النهار وهو من المقربين من السلطات “بعد بوتفليقة ستنظم القيادة العسكرية عملية خلافته. الطبقة السياسية ضعيفة هنا”.

ذكريات الحروب الماثلة في الأذهان

توقع محلل ليبرالي جزائري استمرارية النظام. وقال طالبا عدم نشر اسمه “المؤسسات في الجزائر أقوى من الرجال. فالرجال يذهبون لكن المؤسسات باقية”.

وأضاف “المؤسسات تعمل على ما يرام سواء كان بوتفليقة مريضا في الجزائر أو في الخارج. ما دامت صحته تسمح له فسيستمر إلى ما بعد 2018”.

وتبددت تقريبا الآمال في انتخاب رئيس إصلاحي يعمل على التحديث يفتح الباب أمام ديمقراطية تنافسية ومجتمع مفتوح. فالأولوية على حد قول مراقبي النظام في الجزائر هي الاستقرار الذي يراه المواطنون مجسدا في بوتفليقة.

وقال محلل سياسي جزائري ثان “الجزائر بلد في منطقة سيئة للغاية ولأننا في منطقة سيئة لابد أن يظل للجيش دوره. لا أعتقد أن الجيش سيرغب في الاستيلاء على السلطة بعد بوتفليقة بل سيكون جزءا من العملية السياسية”.

شباب منفصل عن الطبقة السياسية

إلا أن الجزائريين ممن هم في سن الشباب والذين يشكلون ثلثي سكان البلاد البالغ عددهم 41 مليون نسمة يشعرون بأنهم تعرضوا للتهميش وأن الصلة بينهم وبين الطبقة السياسية مقطوعة.

فعلى النقيض من هذه الطبقة سار الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في شوارع مدينة الجزائر خلال زيارة للبلاد الأسبوع الماضي وتحدث مباشرة مع الشباب وهو أمر لم يعهدوه من قائدهم منذ عهد بعيد.

ووصف أحد المحللين الطبقة الحاكمة بأنها “عتيقة في بلد من الشباب”.

وقال المحلل “نحن نحلم بطبقة شابة تتمتع بالحيوية لكن الطبقة السياسية ليست مستعدة للتخلي عن شبر واحد”.

ونادرا ما يظهر بوتفليقة، الذي تولى الحكم عام 1999، علنا كما أنه لم يتحدث في مناسبة عامة منذ إصابته بالجلطة. ومع ذلك فإذا قرر هو أو المحيطون به أن يترشح لفترة رئاسة خامسة فإنه سيفوز دون شك على حد قول مصادر مقربة من الطبقة الحاكمة.

وتهيمن على البرلمان جبهة التحرير الوطني الحاكمة والتجمع الوطني الديمقراطي الموالي للحكومة في حين أن المعارضة ضعيفة ومنقسمة بما في ذلك اليساريون والإسلاميون.

الحفاظ على السلم الاجتماعي

إذا لم يرشح بوتفليقة نفسه فمن الممكن أن يطرح قادة الجيش ومسؤولو المخابرات مرشحا من خارج الطبقة السياسية. غير أن البدائل الممكنة في الوقت الحالي كلها من أعضاء النخبة القديمة مثل رئيس الوزراء أحمد أويحيى ورئيس الوزراء السابق عبدالمالك سلال.

ويقول مراقبون إن أي تصور لتغيير القيادة يكون فيه دور لسعيد بوتفليقة الشقيق الأصغر للرئيس وأحد مساعديه المقربين سيفتح باب الجدل لأن رجال الجيش لا يحبذون الحكم الوراثي.

ويتوقع دبلوماسيون أجانب أن يعمد قادة الجيش إلى ترتيب عملية انتقال سلس للقيادة. وما يقلقهم في حقيقة الأمر بدرجة أكبر هو الأسلوب الذي ستدير به البلاد، المعتمدة على صادرات النفط والغاز، اقتصاد البلاد في عصر انخفاض أسعار النفط.

وحتى الآن يظل ما تحقق في المجال الأمني هو النجاح الأكبر بلا منازع. فحتى الدبلوماسيون الغربيون يتحركون بحرية دون المواكب الأمنية التي ترافقهم في كثير من العواصم العربية الأخرى.

وقال رحماني “الرئيس القادم يجب أن يكون قوي الشخصية يضمن الأمن لأننا في حالة حرب مع الإرهاب. يوجد خطر خارجي، والحدود كلها مشتعلة. يجب أن تكون للرئيس القادم خلفية عسكرية وأن يمتلك السلطة والصلاحيات لاتخاذ القرار”.-(رويترز)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى