أخبار ليبيااهم الاخبار

التيار الوطني… عندما يعترينا الأمل

سليمان البيوضي
كَلٌّ يَدَّعي وَصْلاً بلَيلَى وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكا
ليلانا في هذه المقالة هي ما اصطلح على تسميته تيار وطني وسأعمل بداية على تفسير منطلقاته وتكوينه من التجربة الإنسانية.
ان التعددية الفكرية “عرقيا وعقديا وطائفيا” هي أساس المنطلقات الفكرية للتيار الوطني وهو يتعامل معها كأحد صور المساواة التي يتبناها وينادي بها وهي قيمته الفكرية ومبعثه الإنساني، إذ أنه يعتقد بأن التنوع وحده هو القادر على بلورة المشروع الوطني وتحويله الى تيار شامل.
ان التغييرات الجذرية والتحولات العميقة التي شهدتها منطقتنا في تحولاتها المجتمعية وانعكاسات الاستقطاب السياسي الحاد عززت وأذكت تلك المواقف المتصلبة وأسست لاستمالة المريدين، ان السبب الحقيقي لهذه الانقسامات جاء نتيجة لغياب التيار الوطني كمرجعية فكرية بديلة والتي تراعي الآخر في تبني الخيارات الوطنية كبديل للصدام وكاستراتيجية لبناء منظومات السياسة الوطنية، ان حالة الإنكار لوجود الآخر اواحتوائه اوالاعتراف به هوما عزز الانقسامات كبديل للتوافق على قواعد لعبة التداول السلمي وكانت الأدوات لإقصاء الآخر مختلفة من دولة لأخرى وبطبيعة كل مجتمع وخصوصيته وان كانت في عمومها اعتمدت على الطحن.
ثمة تجارب إنسانية مهمة وصلت فيها الأطراف إلى نقطة وسط أسست لمشروع الدولة وفقا للتعددية وقبول الآخر، فالصراع بين المؤسسة الدينية الكاثوليكية الحاكمة في أوروبا مع حركة التنوير الاوروبي والتي كانت تسمى المدرسة الرشدية نسبة للفيلسوف العربي ابن رشد “توفي 1198” هي من عززت قواعد بناء الدول في عملية معقدة من نشوء القوميات والدول ووصلت للحد الذي تأسست فيه الديمقراطية التعددية باليمين واليسار وبخصوصية فكرية تتواءم مع المجتمعات المحلية.
اننا في ليبيا لسنا بمعزل عن التجارب الانسانية الناجحة، اننا بحاجة لتأطير تيار وطني وتوحيد خطابه ومنهجيته مستفيدين من تجارب الشعوب التي أطرت مشاريع الاستقلال الوطني كبديل للامتدادات الخارجية… لا يمكننا في ليبيا مطلقا ان نخترع العجلة اوالتيار الوطني بطريقتنا وعلينا ان نستفيد من التجارب الانسانية وبناء على ما سبق يجب ان نتساءل عن وجود هذا التيار ومن يمثله وهل نشأ أم لم ينشأ وماهيته وما علاقته بالقواعد الشعبية وهل يوجد أصلا تيار وطني في ليبيا؟
بالمفهوم الشامل للتيار الوطني لا نملك مثل هذا التيار ولا وجود له “رغم المحاولات الحثيثة والخطابات الرنانة”. ولم ينشأ أويتبلور في ليبيا بعد ولعدة أسباب وعوامل ويمكن القول ان تيارات اليسار باختلاف مشاربها لم تعلن عن نفسها ومشروعها للشارع الليبي، بل إنها لم تبرز روادها ومفكريها في رد فعل مخطأ لتغول اليمين “الذي عزز مشاعر الخوف من المجتمع اوالصدام به بتهمة الكفر والإلحاد” فخَفَتَ اليسار. وفي ذات الوقت عملت تيارات الاسلام السياسي على الاستفادة من التشويه المبكر لليسار وصنفت الليبيين لفسطاطين مسلم وعلماني، في استغلال واضح للعواطف الدينية وليتغلغلوا في دوائر السلطة ويحكموا باسم الله خمس سنوات عجاف.
ان التغيرات العميقة في وعي المجتمع الليبي تستعدي من القوى المدنية ان تعلن عن نفسها كتيارات وجماعات وان لا تمتطي الوطنية لتحتكرها وتشوهها في الوعي الجمعي. إذ أنه ليس بالإمكان ان ينشأ تيار وطني ليبي من دون أن يعلن التيار المدني “تيارات اليسار عن فكرها ومشروعها بشكل علني”. وفي الوقت ذاته يجب على قوى اليمين ان تعيد صياغة نفسها وتتخلص من إرث علاقتها بالإرهاب والتطرّف وامتدادتها الخارجية لتقدم المشروع الليبي في هويته ومضامينه حتى تنخرط في السياق الوطني والا فإنها ستكون في مواجهة الغاضبين والبؤساء.
ان المجموعات المحلية العرقية تحتاج أن تبرز نفسها وتتواصل مع بقية الليبين لتبين فكرها ومشروعها ومطالبها بعيدا عن المتاجرين بقضيتهم الوطنية ليكونوا من ضمن سياقات الحل الوطني. المؤكد أنه لا يمكن وصف اي تيار اوجماعة بأنها وطنية ما لم تعمل ضمن سياقات التاريخ وإلا فإنها لا تعدوا كونها مجموعات مصلحية تقفز على موجات تغير المزاج العام لتضرب أيضا القيم الليبية وتعزز انعدام الثقة وبالتالي فإنها ستتحمل المسؤلية التاريخية لاستمرار الفشل.
ان المشروع الوطني في ليبيا لابد أن يرتكز على عوامل عديدة من أهمها نظريا: ان يكون مشروعا ليبيا يعتمد على الشراكة والاحتواء ليس يمينيا اويساريا بقدر ما يتعامل مع خصوصية المجتمعات المحلية والقواعد الشعبية.
اعتقد اننا اذا ما تمكنا من تعميق النقاشات حول مسألة نشوء التيار الوطني قد نصل لبلورة مشروعا ليبي وإنساني، لذا فلا بد للأمل أن يعترينا.
أخيرا… ان ليبيا لا تحتمل المزيد من ضرب القيم وهذه نصيحة صادقة للقوى المدنية ان أعلنوا عن أنفسكم ومشروعكم للشارع الليبي ودون خوف اومواربة ولا تستخدموا الوطنية كقميص عثمان ولا تجعلوا قوى التطرّف توقعكم في شرك اللامصدقية مع الشارع وابحثوا عن ذواتكم في زوايا هذا البلد واعلموا ان الوصول لمرحلة التيار الوطني طريق لن يكون مفروشا بالورود بل انها طريقة صعبة وطويلة يجب ان يعيد الجميع فيها صياغته الفكرية لتتوائم مع السياقات الانسانية وتحولاتها.
—————–
عن موقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى