كتَـــــاب الموقع

“التبو ودستور المكون العربي في ليبيا”

حسين أرنيمي

عانى التبو دون غيرهم من مكونات الأمة الليبية عبر كل العهود التي مرت بليبيا، إبتداء بالعهد العثماني، والإيطالي، ومروراً بعهد المملكة، وكذلك ما يسمى بالعهد الجماهيري انتهاء بعهد فبراير، من التهميش السياسي والاقتصادي والطمس الثقافي، بحرمانهم من المشاركة ذات المعنى في السلطة والحكم المحلي بمناطقهم، وحرمانهم من حقوقهم الثقافية وترسيم لغتهم.

قادت هذه المعاناة إلى الصراع ما قبل فبراير مع أجهزة الدولة القبلية، وإلى دفع التبو ليكونوا من أوائل الثائرين ضد نظام القذافي العروبي في فبراير 2011، لم تكن ثورتهم في مناطقهم جنوب البلاد تقليداً ومجاراة لأناس تحركوا في الشمال ضد القذافي؛ بل كانت انتفاضة تباوية وثورة من أجل العيش بحرية وكرامة فوق هذه الأرض التاريخية من خلال وضع دستور توافقي يؤسس لدولة متعددة القوميات.

لذلك كانت قضية الدستور بالنسبة للتبو من الأساسيات، ومحل اهتمام من قِبل كل الفئات رجالاً ونساء؛ ليكون ثمرة الكفاح والتضحيات الجسام منذ عقود وبعد فبراير، ولكن هذه الآمال اصطدمت بواقع يريد استمرار هيمنة القومية الواحدة واللاتوازن بين مكونات الأمة، حيث قامت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بوضع مسودة دستور بدون التوافق مع التبو مخالفة لنص التوافق بالمادة رقم 30 من الإعلان الدستوري الؤقت.

وهذه المخالفة لمبدأ التوافق يرجعنا إلى الوراء لتوضيح كيف تم وضع التوافق بالإعلان الدستوري المؤقت لمعرفة نضال التبو من أجل حقوقهم الدستورية، لقد قام المؤتمر الوطني العام في عام 2013 بإصدار قانون رقم 17 لسنة 2013 بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور دون أن يتم النص على وجوب التوافق مع الأقليات القومية في الإعلان الدستوري الذي كان يطالب بها التبو، في حينها أعلنت الأقليات القومية مقاطعتها للانتخابات ترشحاً وانتخابا، وأعلنت انسحاب أعضائها في المؤتمر الوطني العام، استمر المؤتمر في تنفيذ الانتخابات وأغلقت مراكز الانتخابات في الجنوب من قبل التبو والطوارق، فقام المؤتمر بتعديل الإعلان الدستوري وأضاف نص وجوب التوافق مع التبو والطورق والأمازيغ ودخل التبو في الانتخابات التكميلية مع الطوارق في أبريل 2014.

وبعد التحاق أعضاء التبو والطوارق بالهيئة بدأ الصدام منذ البداية حيث عملت الأغلبية المهيمنة على الهيئة من المكون العربي على تشكيل لجنة بهدف الالتفاف على نص التوافق من خلال محاولة وضع تفسيرات فرفض ممثلو التبو والطوارق هذا العمل المخالف، وبعد انتهاء اللجان النوعية من صياغة المواد الأولية، قررت الأغلبية العربية المهيمنة تشكيل لجنة عمل تقوم بجمع مواد اللجان النوعية لصياغتها في مسودة نهائية، ويكون عدد أعضاء اللجنة 13 عضواً باختيار أربعة أعضاء من كل أقليم من الأقاليم الثلاث طرابلس وفزان وبرقة وعضواً واحداً عن الأقليات القومية فرفض التبو والطوارق هذا القرار، وطالبوا بأن تكون اللجنة من 14 عضوا بحيث يكون هناك عضو من التبو والآخر من الطوارق، فتم رفض هذا الحق الأساسي لوضع دستور توافقي، وتم انتخاب لجنة من 12 عضواً بدون تمثيل الأقليات القومية في يونيو 2015.

قام ممثلو التبو والطوارق بإصدار بيان بشأن رفض لجنة العمل، وبسبب تعنت المكون العربي بالهيئة واستمراره في مخالفة مبدأ التوافق أعلن ممثلو التبو والطوارق في أغسطس 2015 في بيان مشترك أنهم مقاطعين لأعمال الهيئة لمخالفتها مبدأ التوافق، ولكن الهيئة لم تعطِ أي أهمية أو اهتمام لمقاطعة هذه الأقليات القومية  كأنها تقول «بيكم و إلا بلاكم الدستور ماشي» ومرت الأشهر؛ حتى طالبت البعثة الأممية من ممثلي التبو الطوارق وممثلي المكون العربي بإجراء حوار برعايتها، وتم إجراء الحوار بمدينة “صلالة” بسلطنة عمان في مارس 2016، ولم يتم الإتفاق مع التبو بسبب التعالي والتلاعب الذي يمارسه أعضاء المكون العربي بالهيئة، وعملوا على إصدار مسودتهم ساعين إلى تعميمها على كل مكونات الأمة بالكذب والخداع، ولكن هذه الأساليب والمخالفات لن تجعل من الدستور العربي دستورا لكل القوميات الليبية. وكما صرح الشيخ “مولاي قديدي” رئيس المجلس الأعلى لطوارق ليبيا في صحيفة “أصوات مغاربية” أن الهيئة قامت بخداع الطوارق، حيث لم تحترم الأغلبية العربية المهيمنة على الهيئة الاتفاق مع الطوارق وعدم الإيفاء بالوعود التي أعطيت لمشايخ الطوارق عند إقناع ممثلي الطوارق للالتحاق بالهيئة بحسب تصريحاته، وأصدر الطوارق بياناً في أغسطس 2018 بمنطقة أوباري يؤكدون أن حقوقهم لم تسترد.

للأسف فإن أعضاء المكون العربي بهيئة الدستور مستمرون في نهجهم المخالف للقانون والإقصائي والعنصري ويريدون تمرير مسودتهم بالمغالبة العربية من خلال قانون الاستفتاء، متناسين أن القومية الواحدة والعنصرية لا تُقبل بل تُرفض وتُقاوم، وأن التوافق هو أساس الحقوق والتعايش والاستقرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى