مقالات مختارة

التباسُ الآخر في الثقافة العربية الإسلامية

حسن المصطفى
مفهوم “الآخر” و”الغيرية”، من المسائل التي لم تستطع المجتمعات العربية والإسلامية حتى الساعة التعامل معها بشكل علمي وموضوعي. وكأن هنالك معضلة في العقل المتلقي، تجعله غير قادر على الفهم، أو ممانع له، أو مرتاب منه!
الآخر هو جزء من هذه المجتمعات الواسعة. هو ليس دخيلا عليها، أو نقيضا لوجودها، أو عنصرا مندسا ينبغي مراقبته والحذر منه باستمرار.
هو ليس أيضا “أقلية” تتعامل معها “الأكثرية” بشيء من التردد، كونها تراها مختلفة عنها في تفاصيل عديدة، غير متماهية معها في ثقافتها العُليا، أو تحمل تصورا للكون والدين والوجود، خاصا بها، تجد فيه الأكثرية هراء أو هرطقة!
هذا “الغير” ليس بقعة سوداء في بياض هذه الأمة، التي لم تكن في يوم ما بيضاء نقية، بل كانت طوال التاريخ ملونة، متعددة، خليطا من بشر قدموا من أصقاع الأرض، بثقافات وديانات ومذاهب وأعراق وأجناس مختلفة.
هذا الإصرار على تحويل “الآخر” إلى نسخة مكررة عن الذات، أو نزع ثقافته، أو تحجيم وجوده، جميعها ممارسات إقصائية، بدائية، تشبه ممارسات إنسان الغاب الأول، تنبئ عن بربرية وهمجية أصحابها.
“إن الوجود البشري لا يتطلب بيئة مادية فحسب، بل يتطلب كذلك بيئة شخصية (أي مؤلفة من أشخاص). فأنا في داخل العالم ألتقي بأشخاص، لكنهم ليسوا مجرد أشياء تنتمي إلى العالم. فأنا أعرف أنهم موجودات تتعايش معي، وهم موجودون في العالم بنفس الطريقة التي أوجد بها العالم، أعني بوصفهم مراكز للاهتمام منها يبنى العالم. ولا يمكن أن يستخدم هؤلاء بوصفهم وسائل وأدوات، بل إنهم فاعلون مثلي تماما. إنهم يشكلون العالم”. كما يقول جون ماكوري. وهو بنظرته هذه يعتبر الوجود غير راجح الكفة لجهة دون أخرى. فـ”الآخر” لا يحضر بوصفه “شيئا” لا ماهية ولا روح له. وليس بوصفه قنطرة وأداة أصل عبرها، وأحصل من خلالها على ما أريد. وإنما هنالك تماثل في الوجود ومساواة وندية بين “الأنا” و”الآخر”.
من هنا على الذوات المزهوة أن تتواضع قليلا، لأن “الآخرون هم، أساسا، الأهم فينا كي نتعرف على ذواتنا”، مثلما يُقدمهم جان بول سارتر، بوصفهم جزءا من الذات، وإن كانوا خارجين عنها. إلا أن تمام وجودنا البشري لا يكتمل ولا يستقيم من دونهم.
نحن آخر بنظر الغير. كما أن الغيرَ هو آخر بنظرنا! من هنا، هنالك اتصال وانفصال في ذات الوقت. وهو ما يحتم علينا أن نخرج من ثنائية “الأعلى” و”الأدنى”.
ليس هنالك حقراء ونبلاء. وإنما بشرٌ متساوون في الحقوق والواجبات. يحكمهم مفهوما “الحق” و”القانون”، بقدر واحد، ضمن مجتمع مدني حديث، الحقوق فيه ليس حسنة أو منة لأن السيادة العليا بيد “الدولة”، والتي هي الأخرى محكومة بالقانون الذي تلتزم بتطبيقه واحترامه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الرياض” السعودية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى