مقالات مختارة

البراني اشكال.. ضحية البحث عن “العلقمي”

علي الرحيبي

* كان يجدر بهذا الإدراج أن يكون في سياق جهد آخر ينصب في تحليل ماحدث خلال سنة 2011م من زاوية العوامل الذاتية والداخلية التي ساهمت – بالاضافة إلى عامل التدخل الخارجي – في انهيار النظام وهزيمته خلال معركة استمرت على مدى ثمانية أشهر … وهي مراجعة يجدر أن يقوم بها – بالدرجة الأولى – أنصار النظام السابق المنتمون إليه خصوصا قياداته التي حضيت بالكثير من مغانمه طوال أربع عقود.

* ولعل ما دعا لهذا الإدراج خارج إطار المراجعة النقدية التي أشرت إليها… تلك المقابلة التلفزيونية التي بثت خلال الأيام السابقة مع اللواء / البراني أشكال – آمر كتيبة أمحمد المقريف العتيدة – وهي المقابلة الثانية له حسب ما أعلم .-

* لقد بدا البراني في كلا المقابلتين مثقلا بوجع اتهام مر له بالخيانة للنظام ولمعمر القذافي وأنه هو المسؤول الأول عن سقوط طرابلس وتسليمها للكتائب المسلحة التي رفعت سلاحها – بدعم خارجي معروف – مستهدفة إسقاط النظام والقضاء على قيادته المتمثلة في معمر القذافي…

* بغض النظر عما قيل عن اتصالات بين البراني اشكال مع المجلس الانتقالي والتي أشار لها مصطفى عبد الجليل – وهي تحتاج إلى مزيد تدقيق وبحث عن تواريخها وفحواها – فإنني سأركز هنا علي الجانب العسكري في الموضوع والذي يشكل جوهر مهمة السيد البراني أشكال باعتباره آمرا للكتيبة المكلفة بمهمة حماية طرابلس والدفاع عنها والذي يتهم الرجل بخيانتها وتلبسه الأصابع المتهمة صورة العلقمي – ذلك الوزير العباسي الذي حُمَّل جريمة تسليم بغداد لجحافل هولاكو التترية والتصقت به كلعنة لم تغادر اسمه حتى اليوم.

* من زاوية عسكرية يكشف الرجل أن تحميل الكتيبة وحدها مهمة حماية طرابلس والدفاع عنها كان به الكثير من الإجحاف. فبالإضافة إلى كونه يحمل الكتيبة مهاما أكبر من مهامها الأصلية والأساسية فإن الكتبة أصلا كانت تعاني نقصا كبيرا في إعداد أفرادها الذين تتشكل مجمل قوتهم بحدود 3000 عسكري بمختلف المراتب. وكان المتبقي منهم فعليا لأسباب ذكرها. لايتجاوز 1500 عسكري، ويشير السيد البراني إلى نقاط غاية في الأهمية حين ينبه إلى تبخر وتلاشي الكثير من التشكيلات العسكرية والمسلحة التي كان من الواجب تواجدها أيضا لإداء مهام الدفاع والحماية مثل الحرس الشعبي والحرس الثوري وبقية التشكيلات الأمنية التي كانت تصول وتجول في شوارع طرابلس طوال سنوات سابقة، بفعالية تكاد ضبط مسير النملة في أزقة طرابلس وشوارعها. وإذا مددنا إشارات السيد البراني الطافحة بالمرارة لوجب أن نتساءل بداية عن تلك الطرق المفتوحة التي امتدت أمام الكتائب المسلحة وهي تنزل من مرتفعات الجبل الغربي لتصل إلى الزاوية دون أن تجد مقاومة تذكر.. ثم مسير هذه التشكيلات صبيحة يوم 20 اغسطس 2011 في مسير سلس من الزاوية حتى طرابلس بأرتال كانت تسير وكأنها في استعراض عسكري وليس جبهة قتال. فهل يتحمل البراني اشكال مسؤولية كل هذه الطرق المفتوحة… وأين تبخر القادة ذوو الرتب والنياشين الذين كلفوا بقيادة غرف العمليات وإدارة المواجهة؟؟!!

*أعترف بأنني لست من عناصر النظام السابق وكوادره… وربما كان لدي مواقف معارضة للنظام وآراء نقدية لتجربته ككل (لكنها مواقف وآراء لاتنكر الطبيعة الوطنية للنظام وما أنجز من مهام وطنية طوال عقوده الأربعة كما أن هذه المواقف والآراء لم تدفعني إلى القبول بماسارت آلية الأحداث بعد فبراير 2011 م وطبيعة وأسلوب من تصدر المشهد والتدخل الأجنبي …. الخ. وكل ذلك استنادا لموقف وطني مدرك لجوهر الصراع الدائر في المنطقة والسياقات والمنهجيات التي يتوجب على القوى الوطنية انتهاجها لتحقيق تطلعات الشعب في الحريى والكرامة والعدالة الاجتماعية دونما تورط أو ارتهان للمخططات الإقليمية أو الدولية التي لاننتاج لها سوى خراب الوطن ودماره)
لكنني أرى أن القراءة النقدية الرصينة لما حدث وبروح موضوعية هي ما يجب أن يعتمد بدلا من البحث عن أكباش فداء نحملهم مسؤولية الانهيار بأسلوب عاطفي متشنج سيكون على حساب الحقيقة والدروس المستفادة مما جرى فعلا وإدراك ما كان موجوداً من مواطن خلل بنيوي في النظام أساسا (يمكن أن نعتبر المكالمات المسربة والمنشورة للسيد الطيب الصافي وآخرين من أكثر مؤشراته سطوعا) ولعل أول من هو معني بهذا الجهد هم الذين يدعون الانتماء للقذافي والنظام الذي قاده وانخرطوا فيه وكانوا من مناصريه .

* وفي كل الأحوال تبقى لحظة الوطن الراهنة ذات الطبيعة العاصفة والفارقة هي الأجدر بالاهتمام والتعاطي.

المصدر: صفحة الكاتب على موقع “فيسبوك”

المصدر
facebook
زر الذهاب إلى الأعلى