اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

البابا يرد على الدباشي حول الدستور

الرد المفصل على مقال السيد/ إبراهيم الدباشي "الاستفتاء على مشروع الدستور"

د. إبراهيم البابا/ عضو هيئة صياغة الدستور عن دائرة بنغازي، الدائرة الفرعية توكرة

 

لقد نشر السيد/ إبراهيم الدباشي على صفحته الشخصية على الفيس بوك وفي إحدى الصفحة الالكترونية مقال بعنوان ” الاستفتاء على مشروع الدستور” ينتقد فيها بعض نصوص مشروع الدستور المعتمد من الهيئة التأسيسية يوم 29 يوليو 2017 في مدينة البيضاء، وكذلك بعض النقاط الخاصة بالعملية الدستورية فكان ردنا على النقاط التي وردت في هذا المقال كالآتي:

1. ذكر السيد/ إبراهيم الدباشي: “أولاً رغم أنني سايرت الاتجاه العام وما قررته الأجهزة المعنية بانتخاب هيئة للصياغة، إلا أنني لم أكن راضٍ على آلية صياغة الدستور وتوقيت الصياغة؛ فلا يمكن لهيئة منتخبة أن تصيغ دستورا من الألف إلى الياء دون أن تستعين بمشروع أعده الخبراء ودون أن تعرض نتائج أعمالها في وسائل الإعلام ورصد الملاحظات ودراستها، ودون أن يتم استفتاء الناس في بعض المسائل الخلافية الهامة مثل تقسيم البلاد إلى أقاليم ونظام الحكم والنشيد الوطني وشعار الدولة وعلمها… الخ، ودون أن يكون لها أي وسيلة متاحة لاتصال الجمهور بها” وردنا هو أن المسار التأسيسي في ليبيا شارك الشعب في كافة مراحله وهي تجربة فريدة من نوعها، فالهيئة منذ بدايتها هي تمثل الشعب فهو من انتخبها. بالإضافة إلى ذلك فقد قامت الهيئة بزيارة عديد المناطق وعلى رأسها فزان فزارت سبها والشاطئ وتراغن ووادي الآجال وأوباري وغات وغدامس، وقامت بالاستماع إلى آرائهم بالإضافة إلى جل مناطق ليبيا وتم تدوين ملاحظاتهم. بالإضافة إلى ذلك فقد قامت الهيئة بلقاءات عديدة حتى مع المهجرين والجالية الليبية في الخارج في تونس ومصر. وقد وصل إلى الهيئة أيضاً آلاف المقترحات وقامت الهيئة التأسيسية في مقر الهيئة بمدينة البيضاء بالالتقاء بعديد النشطاء ومنظمات المجتمع المدني والمكونات والمدن والبلديات من كافة ربوع ليبيا وكل شيء موثق. أيضا خلال فترة عملها أخرجت حوالي أكثر من 5 مسودات وبعد خروج كل مسودة يتم القيام بعديد ورش العمل حولها في حضور خبراء محليين ودوليين لتقييمها وإبداء الرأي فيها وكانت هناك أيضا مشاركات فعالة من بعض الجامعات الليبية وقدمت مقترحات كاملة وتفصيلية مثل جامعة طرابلس وبنغازي. والمرحلة الثالثة والأخيرة من مشاركة الشعب في اعتماد دستور هي عبر الاستفتاء وبأغلبية الثلثين.

2. ذكر السيد/ الدباشي “ثانيا أرى أن الدستور لا يمكن وضعه في ظل عدم الاستقرار والانقسام وغياب سلطة شرعية قوية” وردنا هو أن ما ذُكر مغالطة كبيرة ومتكررة من عديد النخب الليبية. على العكس تماماً فإن جل التجارب الدستورية المقارنة وضعت دساتيرها أثناء الأزمة ومثال على ذلك دول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وحديثاً وفرنسا وجنوب أفريقيا ومصر وتونس وغيرها.

3. ذكر السيد/ الدباشي “ثالثا أعتقد أن العودة ستين سنة إلى الخلف والإصرار على تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم، بحجج تاريخية، لم يعد لها أي أثر في الواقع، ليس سوى زرع لبذرة التقسيم المرحلي تنفيذاً لرغبات قادمة من وراء الحدود على يد أفراد لهم طموحات شخصية اكبر من قدراتهم الفعلية” وردنا على ما ذُكر هو انه تم التأكيد على وحدة الدولة الليبية صراحة وأنها لا تقبل التجزئة في أكثر من مادة منها المادة (1) من باب شكل الدولة ومقوماتها الأساسية وكذلك المادة (143) من باب الحكم المحلي وغيرها وبالتالي لا خوف على وحدة الدولة الليبية وفق لمشروع الدستور المعتمد من الهيئة. بالمقابل هذا لا يمنع أن ليبيا تاريخياً كانت مقسمة إلى ثلاث ولايات والهيئة التأسيسية اعتمدت دستور 1951 وتعديلاته في 1963 أحد أهم مراجعها والتي كانت تقسم فيها السلطة التشريعية إلى مجلس نواب أساسه المعيار السكاني ومجلس الشيوخ أساسه معيار الولايات الثلاث.

4. ذكر السيد/ إبراهيم الدباشي “رابعا أن تشتيت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتوزيعها على عدة مدن، في ظل تخلف البنية التحتية وسوء الاتصالات والمواصلات، ستكون له نتائج كارثية على إدارة الدولة وتحقيق الحكم الرشيد”. وردنا هو أن ليبيا ليست الدولة الأولى في توزيع المؤسسات السيادية بين مدن مختلفة فهناك عديد الدول قامت بتوزيع مؤسساتها السيادية مثل هولندا، ماليزيا، تشيلي، بنين وغيرها. على سبيل المثال لقد نص دستور جنوب أفريقيا في المادة (42) النقطة (6) على أن مقر البرلمان في مدينة كيب تاون رغم أن العاصمة هي بريتوريا هي مقر السلطة التنفيذية فيها، وكذلك مقر المحكمة الفدرالية الدستورية الألمانية في مدينة صغيرة تدعى كارلسروه وأيضا مقر المحكمة الفدرالية الإدارية الألمانية تقع في مدينة لايبزك وكلاهما خارج العاصمة برلين.

5. اقترح السيد/ الدباشي إضافة ” المساواة في السيادة” إلى نص المادة (11) وهذا لم يرد في أي دستور تقريبا وربما ليس محله الدساتير خصوصا وانه وورد هذا المبدأ في ميثاق الأمم المتحدة في الفصل الأول المادة (2) في النقطة (1) وكان على النحو الآتي: ” تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها” وليبيا عضو في الأمم المتحدة.

6. اقترح السيد/ الدباشي إضافة ” وتنمية العلاقات الودية مع الدول الأخرى” إلى نص المادة (12) وهذا أيضاً تفصيل ليس محله الدساتير. النص الدستوري لا يكون مفصلا وهو ليس كالقوانين واللوائح. وبشكل عام لا يوجد ما يمنع في مشروع الدستور من تنمية العلاقات الودية مع الدول الأخرى. أيضا هناك دول لم تذكر مسألة العلاقات الدولية في دساتيرها.

7. اقترح السيد/ إبراهيم الدباشي إضافة “دون تحفظ” إلى نص المادة (13) بحيث يصبح النص “تكون نصوص المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها دون تحفظ …….”. فلم يرد في أي دستور هذه الفقرة عند ذكر للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، فعلى سبيل المثال نصت المادة (20) من الدستور التونسي 2014 على الآتي: “المعاهدات الموافق عليها من قبل المجلس النيابي والمصادق عليها، أعلى من القوانين وأدنى من الدستور” وأيضا دساتير أخرى نصت على المعاهدات دون إضافة عبارة “دون تحفظ” مثل دستور أوكرانيا المادة (9)، واندونيسيا المادة (11)، الدستور الإيطالي المادة 72، دستور الإمارات المادة (47) النقطة (4)، الدستور البرتغالي المادة (161) النقطة (ب)، الدستور النرويجي المادة 26 وغيرها. ما يمكن أيضا إضافته إلى مسألة إمكانية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات مع التحفظ على بعض المواد على غرار ما قامت به ليبيا في السابق بخصوص بعض المعاهدات التي تم إقرارها أو تم التوقيع عليها مع تحفظها على بعض المواد مثل اتفاقية (CEDAW) الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتم التحفظ على بعض المواد فيها، فهذا النص لا يمنع ذلك. أي لا يمنع من المصادقة على المعاهدة أو الاتفاقية مع التحفظ على بعض المواد فيها.

8. اقترح السيد/ الدباشي استبدال عبارة ” البيئة وسلامتها التزام على الكافة ” بعبارة ” حماية البيئة وسلامتها التزام على الأشخاص المقيمين في البلاد والكيان العاملة فيها كافة” في المادة (18) وهنا نؤكد أن ما تم النص عليه في مشروع الدستور أكثر شمولية مما تم اقتراحه. أيضا قد وردت هذه الصياغة في كثير من الدساتير فعلى سبيل المثال نصت المادة (45) فقرة (1) من الدستور الاسباني على الآتي: ” يحق للجميع التمتع ببيئة مناسبة لنمو الفرد كما يجب على الجميع الحفاظ عليها”.

9. اقترح السيد/ الدباشي استبدال عنوان المادة (37) وهو يقصد المادة (36) بعبارة “الجرائم الخطيرة” حتى تغطي كل الجرائم المذكورة وينسجم مع لغة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. هذا الطلب مردود عليه إذ صنف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على حسب نص المادة (5) أشد الجرائم خطورة إلى جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان، بينما جريمة الإرهاب التي ذكرت المادة (36) لا تدخل في اختصاص هذه المحكمة. بالإضافة إلى ذلك لقد نص نظام روما أيضا على جريمة العدوان وهذه الجريمة لم تكن واردة في المادة (36) من مشروع الدستور. أيضاً هناك جرائم أخرى خطيرة ليس من اختصاص محكمة الجنايات الدولية وليبيا ليست طرفا في هذه الاتفاقية.

10. اقترح السيد إبراهيم الدباشي إعادة صياغة المادة (104) فقرة (8) لتكون مفصلة على النحو الآتي : “اعتماد السفراء لدى الدول الأجنبية والممثلين لدى المنظمات الدولية، وتلقي أوراق اعتماد سفراء الدول وممثلي المنظمات الدولية في ليبيا” وليس كما ذُكر “اعتماد ممثلي البعثات الدبلوماسية للدول، والمنظمات الدولية” وأيضا هذه زيادة تفصيل في النص الدستوري والزيادة ليست دائما في صالح النص فربما تكون قيد على المشرع في المستقبل وتؤدي إلى انسدادات دستورية. أيضا ذكرت عديد الدساتير نفس الصيغة التي تم ذكرها في مشروع الدستور فمثلا نصت المادة (63) النقطة (1) من الدستور الاسباني على الآتي: ” يعتمد الملك السفراء والممثلين الدبلوماسيين الآخرين”، وأيضا نص الدستور الروسي في المادة (86) النقطة (د) على الآتي: ” رئيس الدولة يتلقى أوراق اعتماد واستدعاء الممثلين الدبلوماسيين المعتمدين في مكتبه” وهناك أمثلة أخرى كثيرة على صياغات مماثلة لما أخذت به الهيئة في مشروع الدستور.

11. اقترح السيد/ الدباشي باستبدال مصطلح ” التوازن البيئي” بعبارة ” حماية البيئة” في المادة (170) معللا ذلك بأن معنى التوازن البيئي هو الحفاظ على تنوع النباتات والحيوانات والحشرات بينما حماية البيئة تتعلق بالحماية من الغازات الضارة والملوثات والتصحر. لقد تم استخدام عبارة التوازن البيئي بدلا من حماية البيئة لأنه العبارة الثانية ستكون نتيجتها العبارة الأولى وهي الغاية أو الهدف الحقيقي. بمعنى أن حماية البيئة ستؤدي إلى الحفاظ على التوازن البيئي. بالإضافة إلى ذلك فقد تم النص على حماية البيئة في مواد مختلفة في مشروع الدستور فقد تم تخصيص مادة كاملة بالبيئة في نص المادة (18) وكانت مفصلة وكذلك فقد نصت المادة (171) على ضمان معالجة المشاكل البيئية والصحية والأضرار الناجمة عن استغلال الطاقات الغير متجددة.

12. اقترح السيد/ الدباشي بأن تضاف في بداية المادة (171) كالآتي: ” تلتزم الدولة بتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الموارد القابلة للنضوب وإنشاء مشاريع …..” . ربما لا يكون من المناسب وجود هذه الفقرة في هذه المادة بل في هذا الباب، فهذه الفقرة محلها باب المقومات الأساسية للدولة ولهذا فقد خصصت الهيئة التأسيسية المادة (15) في باب المقومات الأساسية تتحدث عن أسس الاقتصاد الذي تقوم عليه الدولة الليبية.

ختاماً، أن الحل لما تمر به ليبيا اليوم هو انتقال الدولة من المرحلة المؤقتة الي المرحلة الدائمة عبر الاستفتاء على مشروع الدستور وانتخابات رئاسية وتشريعية بناء عليه بدل من الدخول في مراحل مؤقتة مجدداً تتسبب في استمرار استنزاف الأموال والفوضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى