مقالات مختارة

الانتخابات التركية المباغتة.. مكافحة شعبوية أردوغان بشعبوية مناقضة

ياوز بيدار

في إسبرطة يتحدث محرم إينجه المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري، فيقول “رفع البنك المركزي أسعار الفائدة مرتين في غضون شهر واحد. لقد وصل سعر الفائدة السياسية إلى 25 بالمئة. إن تمّ انتخاب أردوغان مرة ثانية سيصل سعر الدولار إلى 10-8 ليرات، وستغرق تركيا.. كما أنه يقوم حاليا بإنشاء قصر رئاسي صيفي يتكون من 300 غرفة. إن تمّ انتخابي رئيسا سأمنح هذا القصر الرئاسي الصيفي لأسر ذوي الاحتياجات الخاصة…”

ويواصل إينجه حديثه فيقول “أيها الشباب! ستحصلون في 19 مايو 2019 على منحتين اثنتين: الأولى منحة للشباب، والأخرى منحة رئاسية. لن تضطروا خلال عامين إلى العيش في المدن الجامعية التابعة للطرق والجماعات. سوف نشكِّل علامة رائدة معكم وسويا”.

وفي يالووا تتحدث ميرال أكشينار المرشحة الرئاسية للحزب الصالح، فتقول “من أجل نهضة هذه البلاد يلزم أن يجد الشباب عملا. إن كانت الدولة لا تستطيع توفير عمل لشبابها فهذا عيبها. لذلك السبب نقول إننا “سنمنح الشباب 500 ليرة إلى أن يجدوا عملا”. لقد استاؤوا من هذا كثيرا، وقالوا “من أين ستوفرون تلك الأموال؟” سأقول للوزراء ولأبنائهم الذين يلهون ويتمتعون بأموالكم أيها الشعب “انزلوا من تلك السيارات”، وستظهر الأموال. أقول مرة أخرى “سأغلق المجلس الأعلى للجامعات، وسأبيع هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية”.

حين تُصغون إلى كل من محرم إينجه وميرال أكشينار تدركون أنهما يحاولان التعبير عن مدى خطورة الموقف والمستنقع الذي غرقت فيه البلاد. المشهد كابوس مرعب. إن صور المنظر مفهومة بشكل واضح للغاية. حسنٌ، ما الذي يقترحانه، وما الذي يقولانه؟

إفراغ ذلك القصر، ومنحه إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، وأخذ السيارات من الوزراء، وبيع هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية. وغير ذلك. وبهذه الخطوات سينصلح حال تركيا. حدث ولا حرج عمن يُغرمون ويعجبون بهذا: “آه، كم هو حل سريع وإجابة حاضرة!” “يا لها من إجابة لطيفة يتفوه بها!” “لقد أصاب عين الحقيقة، لقد انتهى هذا الأمر، كل شيء تمام!”

حسنٌ…

تحمستم؟

ولكن…

ماذا سيحدث لتركيا؟

الإجابة جاهزة: “عزيزي! يكفي أن يرحل، والأمر بعد ذلك سهل!”

هل الأمر هكذا يا تُرى؟

انظروا…

مرة أخرى يؤسف لحال هؤلاء الناخبين.

تلك خلاصة الحملة الدعائية لهذه الانتخابات المباغتة: إنها الشعوبية ومكافحة النزعة الشعوبية التي تحاول أن تكون “توأمها النقيض”.

منذ سنوات عديدة وهذه السلطة تقوم بإنفاق الموارد الأساسية لهذه البلاد في التسلح اللانهائي، والحرب، والموت، والتوسع العسكري، وبينما هي كذلك تقول أكشينار في يالووا “إنني أتساءل عن قبرص. يا هذا أنت تتردد على إنكلترا ذهابا وعودة. فهل بعتها؟ أم أنك لم تبعها؟ إننا سنمنع صفقة البيع هذه نهائيا. لأن قبرص بالنسبة إلينا ليست وطنا لقيطا، وإنما هي قلبنا…إنها قلبنا. لقد ضيعت وفرّطت في 18 جزيرة. إننا نتحدث ونعلن وليس هناك رد فعل ولا حراك. لأول مرة أتحدث وأنادي باعتباري زوجة حفيد مقبولة أكشينار المنتمية إلى غوكجه دره من يالووا، للمرة الأولى… إن تم انتخابي رئيسا للجمهورية؛ إن تم انتخابي رئيسا للجمهورية فسأقوم بأول زيارة لي كرئيس للجمهورية إلى تلك الجزر الـ18”.

ماذا يعني هذا إذن؟

إن هذا “بديل” من تلك البدائل التي ينتظرها من يقولون “يكفي أن يرحل يا عزيزي، فليرحل ثم…” بحماس ولهفة قائلين “مهلا؛ فلتنتخب يا عزيزي! يكفي أن تنتخب فيكون الأمر على ما يرام!”.

إن كنت أنت شعوبيٌّ فأنا أيضا شعوبيٌّ.

إن كنت أنت عسكري فأنا أيضا عسكري.

إن النقطة المهمة في القضية هنا هي بالضبط: أن جبهة المعارضة بارعة للغاية في تصوير خطورة الوضع؛ فماذا يمكنها أن تقول للناخب الذي لا يهنأ بأي حال بسبب جشع السلطة العمياء؛ هل يكفي مجرد تصريحها “أن هذا هو الصواب؟”.

إن الساحة عبارة عن كومة من الأنقاض والحطام.

حطام العدالة- القانون، حطام الإنسانية الضحية، حطام الاقتصاد، حطام السياسة الخارجية، بيروقراطية متعفنة متحللة، ونظام إداري فسد من مفرق شعره إلى أخمص قدميه.

جبهة المعارضة بارعة للغاية في تصوير خطورة الوضع؛ فماذا يمكنها أن تقول للناخب الذي لا يهنأ بأي حال بسبب جشع السلطة العمياء؛ هل يكفي مجرد تصريحها “أن هذا هو الصواب”؟

 

طرخان أردم الحكيم السياسي المحنك الذي قضى عمره يحلم بتركيا أكثر ديمقراطية وأكثر سلاما وأكثر تصالحا مع ذاتها كان في مقالته الأخيرة يسلط الضوء على الأحداث بصدق وواقعية خبرته المديدة.

أريد أن أرجئ قليلا الاقتصاد الذي يُقال إنه أثر للغاية في نتائج الانتخابات، وأكتب بضع جمل بشأن وضعنا الاجتماعي:

بالرغم من ضرورة الانتقال إلى تطبيق مبدأ ومفهوم الإدارة اللامركزية في حكم الشعب إلا أن مفهوم المركزية زاد وتعزز بصورة أكبر. وبسبب النزعة السلطوية في السنوات الأخيرة فقد شجع نظام الحكم لدينا نظام حكم الرجل الواحد.

في السنتين الأخيرتين أصبحت كافة حقوق الإنسان والحريات معطلة يستحيل استخدامها. وتعرض الجميع من مدنيين وعسكريين، ومن مختلف المهن والوظائف والدرجات، إلى ظلم جماعي لم يسبق أن حدث قبل الآن، وذلك بموجب المراسيم التي لها صلاحية القانون.

تعرض عدد كبير من الناس لانتهاك حقوقهم بشكل لم يُرَ من قبل، وذلك بهدف فتح تحقيق بشأن أذناب محاولة إرهابية وانقلابية.

حدث دمار خطير وحقيقي في نظام التعليم ومؤسساته.

تم خلق تنوع يستحيل تتبعه في المناقصات العامة، وضاعت الشفافية والقدرة على المساءلة، وتم توريط الدولة في ديون مستقبلية.

بيعت المنشآت والبنى التحتية الصناعية التي تم إنشاؤها سابقا، وبينما كانت البنية الأساسية لبعضها لا تزال تحت الإنشاء تمت استدانة نفقات إنشائها دون حساب وبضمان الدولة. والغرامات الواجب سدادها بموجب جزء من حقوق الإعمار وأحكام القانون تم إلغاؤها في مقابل الأسعار المنصوص عليها بالقانون.

لقد تم تجاهل غياب القانون والقرارات القضائية، وتم العفو عن عقوبات مخالفة القانون مقابل المال.

خلقت حالة خطيرة من الاستقطاب والانفصام والنبذ والبغض متعددة الأوجه للغاية بين أفراد الشعب.

تواجه تركيا حاليا مشكلة اقتصادية لم تواجها من قبل حتى الآن. لقد تجزأت خزانة المالية.

ويضع طرخان إصبعه على النقطة الحساسة في الموضوع فيقول “الواقع أن كافة المؤشرات تشير إلى أنه لن يمكن إصلاح وضعنا الاقتصادي إلا إذا تضافرت جهود جميع الأحزاب السياسية.

وهذا الوضع لا يتغير أيّا كان الفائز بالانتخابات. فليربح من يربح، إن الزعيم الذي سيربح عشية الانتخابات إذا لم يبادر ويصرح “لقد طلبت من قادة الأحزاب السياسية تحديد موعد للقاء صباح الغد، فسنتخذ القرار سويا”؛ إذا لم يحدث ذلك فوا أسفاه على تركيا.

إن تعرضنا لموقف كهذا، أي إن حاول زعيم الحزب الذي سيفوز بالانتخابات أن يتحدث عن تفاؤله وحلمه بأن شهر يوليو سيكون أفضل من شهر يونيو دون أن يتخذ أي قرار مؤثر وجادٍّ، فلن يستطيع في اليوم التالي تصديق حلمه نفسه، إذ أنه حين ينهض من فراشه سيفاجأ بأعداد لم يتوقعها قط، ويجد على طاولته تعليمات ضرورية يصعب القيام بها.

بعد الانتخابات التي نستعد لها لن يمكن إرسال الجميع إلى منازلهم عبر عرض مسرحية الديمقراطية على خشبة المسرح. يتعين على الحزب السياسي الفائز أن يصرح ويقر بما سيفعله دون تهويل ولا مبالغة في جاذبية بعض المفاهيم.

إننا كشعب بقي أمامنا جميعا أقل من ثلاثة أسابيع لنواجه هذا المنظر. هذه الأيام العشرون الحالية أفضل من المرحلة التالية للانتخابات؛ بالنسبة إلينا جميعا، أيّا كان موقفنا السياسي، سوف نشتاق إلى هذه الأيام”.

إن ما أراد طرخان أردم أن يقوله بلغته البليغة الدقيقة واضح للغاية هو: يا قادة المعارضة! من وكيف ولمن يقص هذه الحكاية، حذار أن تختزلوا الأمر في قصة من يسد جحرا، ومن يسند “الرئيس” في حلبة المصارعة…

إنكم تتوقعون أنكم ستفوزون بالانتخابات وتنجحون بمجرد الترويج لخيالات مثل مَنْ في السلطة حاليا بدلا من أن تتحدثوا بصوت هادئ، عن الحقائق كما هي، الحقائق المريرة التي تنتظر الشعب اقتصاديا.. إنكم تخطئون.

ليس مهما إلى هذا الحد أنكم تخطئون، إن المهم والخطير في الواقع هو تضليل الشعب. إن حلت نتائج هذا التضليل محل الحماس الحالي للشعب فسوف يستحيل أن يوجد من يستطيع إصلاح مشاعر الإحباط التي ستسيطر عليه.

لقد بقي على الانتخابات ما يقرب من أسبوعين. لهذا السبب فليطلب الناخبون من محرم إينجه وميرال أكشينار، وتمل كرم الله أوغلو، وصلاح الدين دميرطاش ويقولون:

ستنغرس البلاد في مستنقع اقتصادي بعد انتخابات 24 يونيو يجعلنا جميعا نبحث عن هذه الأيام. فما هي وصفتكم العلاجية؟ تحدثوا إلى الناخب بصدق دون خداع ولا تضليل، حتى يكون مستعدا للأمر. ثِقوا أنكم ستخسرون خسارة فادحة للغاية في الانتخابات المباغتة (والمتوقعة) التالية.

إن البديل السليم ضد حزب العدالة والتنمية الذي فسد وتحلل ليس شخصا واحدا، إنه مسألة طاقم عمل يستند إلى توافق واسع. لقد ظلم أردوغان العديد من القطاعات والشرائح في تركيا، واستعداها، وقد رفض الجميع منذ البداية فكرة أن يكون “رئيسا للجميع”. فمن سيكون مساعدوكم الرئاسيون إن فزتم بالانتخابات؟ هل هم أعضاء أحزابكم السياسية والمنتمون إلى أيديولوجيتكم فحسب، أم أنهم “مساعدو رئيس جمهورية عاقل” يمثلون تركيا كلها؟

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى