مقالات مختارة

الإسلام السياسي: إعادة تكيف أم انقراض؟

إبراهيم غرايبة

تواجه جماعات الإسلام السياسي بعد الربيع العربي تحدياً كبيراً يدفع بها إلى خيارين: إعادة تشكيل نفسها على نحو يخلو من «الإسلامية»، لكن باتجاه متدينين أو محافظين يشاركون في العمل السياسي، أو الحظر والانسحاب من الحياة السياسية والتحول إلى جماعات تأثيرية تعمل في الفضاء غير السياسي بمعنى المشاركة السياسية والعامة من خلال الانتخابات العامة أو العمل السياسي المباشر، ويمكن ملاحظة الاتجاه إلى الخيار الأول في حالتي تونس والمغرب، إذ أعادت جماعتا النهضة التونسية والعدالة المغربية تشكيل نفسيهما على هيئة جماعات سياسية علمانية.
لقد طورت الجماعات الإسلامية السياسية نفسها منذ الثمانينات باتجاه المشاركة السياسية والقبول باللعبة الديموقراطية، وكان هذا بطبيعة الحال تحولاً مصحوباً بتصدعات وانقسامات في اتجاهات عدة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبدأت مكونات الإسلام السياسي بالتمايز بوضوح، بل ودخلت بين بعضها في حالة من العداء وصلت إلى العنف، في الجزائر على سبيل المثال انقسمت الجماعة الواحدة بين جماعات عنيفة بالغة القسوة (الجبهة الإسلامية والجماعات المتطرفة) وجماعات متحالفة مع النظام السياسي وتشارك فيه (مجتمع السلم بقيادة محفوظ نحناح)، وأخرى اتخذت موقفاً وسطاً وإن التزمت السلم والديموقراطية.
يشير المؤلف الجماعي بعنوان ما بعد الإسلاموية، الأوجه المتغيرة للإسلام السياسي، تحرير آصف بيات، وترجمة محمد العربي، إلى عشر حالات من التكيف وإعادة التكيف في الإسلام السياسي، لكن ربما يكون الربيع العربي أعمق أثراً مما أمكن للمؤلفين الإحاطة به، وما زالت تفاعلات الإسلام السياسي تتصاعد وتمضي في اتجاهات لم تستقر بعد، وقد يكون مبكراً تقديرها أو الإحاطة بها. لكن تجارب تركيا ومصر والمغرب تقدم أفكاراً وتحولات جديدة تحتاج إلى بحث وتأمل. ففي تركيا تمثل تجربة نجم الدين أربكان عام 1970 المحاولات الأولى للمشاركة السياسية وطور أربكان في خطاب الحركة، ودخل في عمليات تحالف وتعاون مع طيف واسع من الأحزاب غير الدينية، والتركيز على قضايا الفقر والعدالة الاجتماعية، وشكل حزب الرفاه الحكومة لفترة وجيزة عندما هيمن على الانتخابات البلدية (1994) والنيابية (1995) وانتهت التجربة بحلّ حزب الرفاه واعتقال رئيس بلدية استنبول رجب طيب أردوغان.
لقد كان للعلمانية دوراً كبيراً في دفع الإسلاميين نحو تبني مواقف أكثر اعتدالاً، وتقدم الإصلاحي عبدالله غُل في خطوة جديدة بتأسيس حزب العدالة والتنمية والذي هيمن على الانتخابات العامة منذ عام 2001، لكن الباحث جيهان توغال يرى أن حزب العدالة والتمنية لا ينتمي إلى ما بعد الإسلاموية، إنما هو إعادة تجذير للمحافظية التركية، وهي مزيج من التنمية والديموقراطية والقومية التركية.
وفي المغرب يمكن ملاحظة بعض التشابهات مع الحالة التركية، فقد تشكل ونما الإسلام السياسي في المغرب في ظل الحرب الباردة، فقد دعمته الدولة كمحاولة لمواجهة اليسار العلماني، وظهرت حركة الشبيبة الإسلامية بقيادة عبدالكريم مطيع، وهي حركة إسلامية قطبية (نسبة لأفكار سيد قطب) لكنها تحولت إلى جماعة معادية للنظام السياسي المغربي، وانشق عن الحركة تيار إصلاحي بقيادة عبدالإله بن كيران متجهاً نحو السياسات الحزبية المشروعة، وأنشئ حزب العدالة والتنمية في مسار مختلف يجعله صالحاً للعمل السياسي العلني، ثم نجح الحزب في الحصول على أكبر نسبة في الانتخابات العامة ومن ثم تشكيل الحكومة، ورسمياً لا يعتبر حزب العدالة والتنمية نفسه حزباً دينياً ذا مرجعية إسلامية، لكنه جزء من التيار الإسلامي. ويجد سامي زمني أن حزب العدالة والتنمية المغربي تجاوز فكرة الدولة الإسلامية ليسعى بدلاً من ذلك إلى نظام اجتماعي عادل يحترم القيم الإسلامية، ويحترم الحزب بهذه العملية حقوق الناس واختياراتهم بدلاً من التأكيد المجرد على التزاماتهم.
وبطريقة ما تتشابه مصر ما بعد مبارك مع إندونيسيا ما بعد سوهارتو، فقد أصبحت الأحزاب الإسلامية جميعها علنية، وسيطرت على أول برلمان منتخب، وقبل ذلك كانت الجماعة الإسلامية قد نبذت العنف، وبدأ «الإخوان المسلمون» منذ منتصف التسعينات يتحدثون عن التعددية والديموقراطية والمجتمع المدني، وانشق حزب الوسط عن الجماعة متجهاً نحو برنامج ديموقراطي مؤمن بالتنوع الفكري والاجتماعي ويدافع عن الاختلاط وحقوق المرأة، كما قاد عيد المنعم أبو الفتوح تياراً في الإخوان مشابهاً لحزب العدالة والتنمية في تركيا، ثم تحول هذا التيار إلى حزب سياسي مستقل عن «الإخوان».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى