حياة

الأوسكار والـ Game Awards: لماذا فقدت جوائز السينما بريقها أمام الألعاب؟!

الأوسكار تتهاوى أمام حفل جوائز الألعاب

بالآونة الأخيرة، لا يمكن الشك في أن الميديا كانت سيدة القضية أكثر من أي وقتٍ مضى، منذ 2020 والعالم كله مكث على الإنترنت باعتبار أنه منزله الآخر، وهذا بسبب فيروس كورونا والعزل الصحي المتسبب فيه، بدافع الملل؛ جلس الناس على الإنترنت لساعات وساعات، من الصباح وحتى المساء؛ فهو وسيلة التسلية الوحيدة تقريبًا.

واستمر الأمر حتى 2021، ما زالت للميديا السطوة على الساحة الفنية، وعندما تأتي الميديا إلى المعادلة، تأتي ردود الأفعال على كل شيء وأي شيء فعلًا، وبالتأكيد، لا تتفاعل الميديا مع أي شيء أكثر من الأحداث والمحافل الفنية.

الأوسكار؛ حفل سينمائي لا يستهان به، والـ Game Awards حفل “ألعاب فيديو” لا يستهان به كذلك، كلاهما ضمن مصاف الأحداث الجامعة للملايين، لكن هل يمكن أن يوجد محور تشابه بينهما فعلًا؟ هل يمكن جمعها على طاولة النقد والتحليل؟

في الواقع… أجل!

الأوسكار بات يتهاوى أمام الألعاب هذه الأيام. لماذا؟ حسنًا، هذا أمرٌ يستدعي السرد بحق.

ما مؤشرات هبوط الأوسكار فعلًا؟

في الواقع، هناك الكثير من العوامل التي تثبت بدء هبوط وتقهقر جائزة الأوسكار أمام الجوائز الأخرى بشكلٍ عام، وليس أمام جوائز الألعاب فقط. فمثلًا في آخر حفل، تقدر نسب المشاهدة العالمية للبثّ المباشر لحفل الأوسكار 2021 بحوالي تسعة ملايين مشاهدة، بينما في المقابل لدينا أكثر من 80 مليون مشاهدة لحفل جوائز الألعاب 2020.

الأوسكار

الفارق ملحوظ فعلًا، ويمكن اعتباره مؤشرًا واضحًا لاهتمام الناس بالألعاب أكثر من السينما خلال فترة الجائحة، أي أن الألعاب استطاعت تقديم ما لم تستطع السينما تقديمه للجمهور، وهذا ما يدفع للتساؤل: “ما الذي كان سلبيًّا في السينما واستطاعت الألعاب تقديمه بإيجابية؟”.

وللإجابة عليه، يجب التفكير في أكثر من محور.

أصالة التجربة في تدني

السينما؛ من الطبيعي لها أن تكون هي المتنفس الأقرب للإنسان، فهي ترتبط بواقعه بأكثر من شكل مع الوقت، ومع كل فيلم جديد يصدر على الساحة، ينجذب الناس بشكلٍ مختلف إليه، مما يساهم في تنوع مفردات الصناعة نفسها. لكن الأوسكار في الآونة الأخيرة فعلت ما أجبر الناس على بغضها تمامًا، وأسقط أهلية الأكاديمية “فنيًّا” من عيون الجمهور.

القوانين الجديدة لجائزة الأوسكار؛ بات من ضمنها إجبار صنّاع الأفلام على مجموعة من القواعد الصارمة للتنوع العرقي والجيندري، وإلا لن يُقبل العمل في القائمة الطويلة للترشيحات من الأساس. وهذا يخرق الميثاق غير الرسمي لصناعة السينما؛ أنها صناعة غير مقيدة بأي شيء على الإطلاق، فالفنّ حر كالبشر القائمين عليه بالضبط!

في المقابل، لم تحرم صناعة الألعاب المبدعين من أي شيء على الإطلاق. وفي الواقع، قدمت لهم كل الأدوات التطويرية الممكنة لإخراج رؤيتهم العبقرية إلى العالم. فمثلًا أحد أشهر صنّاع الألعاب في العالم هو كوجيما، العبقري خلف سلسلة Metal Gear ولعبة Death Stranding الحديثة، هذا الرجل عندما وجد أن كونامي تقيد حركته، وبالتبعية “سوني”، قام بصنع استوديو تطوير ألعاب خاص به،أمّا إذا قرّر أحد المخرجين السينمائيين عمل الشيء نفسه في صناعة السينما مثلًا (للهروب من براثن الأوسكار بالطبع)؛ فلن يستطيع، إنها مهمة المنتج في الأساس.

يمكن لاستوديو صغير أن ينتج أعمالًا جيدة بالوقت والمثابرة (وميزانية صغيرة)، لكن لن يستطيع مخرج سينما ما العمل على فيلم بميزانية عملاقة مهما طال الوقت أو قصر، وهذا لأن الممثل دائمًا وأبدًا أجره كبير، على عكس المطور الذي يمكن أن يمد في فترة عقده الخاص حسب ميزانية الاستوديو للرواتب الشهرية. ولهذا في النهاية نجد ألعاب “إندي = صغيرة” جيدة فعلًا، على عكس الأفلام ذات الميزانية المحدودة التي في العادة تظهر وكأنها أفلام تسجيلية غير احترافية.

الأوسكار؛ يستغل عدم قدرة المخرجين على تقديم أعمال جيدة بدون ميزانية عملاقة، والأوسكار تتأكد تمام التأكُّد أن المنتجين الكِبار في المجال منصاعون لأحكامها بالكامل؛ مما يحكم سيطرتها على السوق، ويقتل الإبداع بالتبعية.

اهتمام الألعاب بحياة البشر أكثر من السينما

الأوسكار كجائزة؛ لم يفقد بريقه في عيون الناس بسبب كونه ظالمًا للفن في الآونة الأخيرة فحسب، بل أيضًا لكونه داعمًا لأنواع غير جيدة من السينما. يجب القول أولًا أن كل الأفلام لها قيمة، وكلها جيدة بالنسبة إلى مضاميرها الخاصة، لكن عندما يأتي الأمر للجوائز العالمية، فيجب التدقيق فعلًا. الأوسكار لم يتهاون على الإطلاق في منح جوائز غير مستحقة لأفلام على حساب أفلام أخرى، لمجرد أنها تحتوي على شخصية ذات بشرة سمراء مثلًا، كنوع من دعم الأقليّات العرقية، لكي تحاول التعتيم على سمعة OscarsSoWhite التي نعتها بها تويتر، وقال إنها تنحاز لذوي البشرة البيضاء.

الأوسكار

على الجانب الآخر من المعادلة؛ لم تكترث صناعة الألعاب على الإطلاق لما يحدث في ساحة السينما. ظلت الألعاب تصدر للجميع، بمختلف التصنيفات والشرائح العمرية والأفكار والقصص، فببساطة؛ وجد الجميع أنفسهم في لعبة أو أخرى، فبالتالي اكتسبت الألعاب شعبية طاغية في فترة الجائحة، وما زالت حتى وقتنا هذا.

الألعاب اهتمت بالجمهور، في الوقت الذي أراد في الناس للتواصل الاجتماعي، قدمت لهم ألعابًا فيها تواصل بكثرة مثل Among Us، وعندما قتلهم الملل وأرادوا التغيير، قدمت لهم ألعابًا ذات طابع كوميدي ورسوم مبهجة مثل Fall Guys. السينما لم تقدم الكثير للناس، فحتى أشهر أفلام عام 2020؛ فيلم TENET للمخرج كريستوفار نولان، والذي بالمناسبة لدينا مراجعة عليه هنا، لم يحقّق النجاح المطلوب نظرًا لإغلاق السينمات على مستوى العالم وفتحها في مواعيد ضيقة للغاية، مما أفشل صناعة السينما في مواجهة الألعاب.

التفاعل الدائم أهم من القصير

الأوسكار؛ جائزة تدعم السينما، والسينما أهم ما يميزها هو التفاعل القصير مع العمل الفني، أي أنك تشاهد الفيلم من ساعة إلى ثلاث ساعات مثلًا، ثم تخرج من القاعة ويعلق في ذهنك ليوم، ثم يختفي أثره تمامًا، السينما عبارة عن تفاعل قصير المدى ومحدود المفعول، على عكس الألعاب التي دائمًا ما تتميز بالطول الملحوظ، حتى إن اللعبة التي تنتهي في ست ساعات مثلًا، نقول عليها قصيرة، وبذلك تكون ثلاثة أضعاف الفيلم التقليدي حتى.

الأوسكار

كما أن الألعاب تمتاز بإعادة اللعب. عند الانتهاء من لعبة ما “لنفترض أنها لعبة قصة”، وأعجبتك للغاية؛ سيأتي عليك وقت وتلعبها مرة أخرى، لاشتياقك لعنصر التفاعل البصري-الجسدي معها، أمّا بالنسبة للأفلام؛ فلن تشتاق إليها إلا بعد مرور فترة طويلة جدًا، حتى يتم مسح كل الأحداث من عقلك، وقتها ستكون إعادة المشاهدة ممتعة.

هذا بالطبع إذا استثنينا ألعاب الأونلاين، فهذه نقرة أخرى تمامًا، الأونلاين تفاعليّ باستمرار، هذا شيء مفروغ منه.

بالمجمل، فإن الألعاب صناعةٌ مستمرةٌ في النموّ، متضخمةٌ بشدة، ومستعدةٌ لابتلاع صناعة السينما تمامًا، ويجب على الأوسكار، حقًا، أن يعيد صياغة شروطه مرة أخرى ليكسب حب الجمهور من جديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى