اهم الاخبارتكنولوجيا

الألعاب عند العرب بين سندان التسفيه ومطرقة الطموح

هذا المقال لن يتطرق إلى الألعاب بمنظور أكاديمي، بل بمنظور (عربي) بعض الشيء.

الألعاب عمومًا في البداية كانت صناعة قائمة على تقديم سلعة خدمية للجمهور، تهدف إلى ترفيه المستخدم بشكلٍ أو بآخر. وكان المنتفعون الوحيدون منها تجاريًّا هم الصنّاع أنفسهم، والتجار الذين يتعاملون في بيع اللعبة بالتبعية. لم يكن المستخدم إلا مجرد شخص يشتري اللعبة، يلعبها، ثم يبيعها إذا استطاع، أو حتى يستبدلها بلعبة أخرى يريدها بشدة.

لكن هذا من الماضي فعلًا. الآن اللاعب نفسه بات منتفعًا من الألعاب ذاتها على المستوى المادي، وأصبح (مراجع ألعاب)، مهنة معترف بها في العديد من البلدان حول العالم. لكن عند العرب، يبدو أن الوضع مختلف بعض الشيء.

اليوم سنتحدث عن مفهوم الألعاب عند العرب، وكيف يؤثر هذا المفهوم على الشباب الطموح الذي يريد في يومٍ ما، أن يصبح لاعبًا محترفًا في الرياضات الإلكترونية – E-Sports.

لماذا توجد فجوة بين الجيلين؟

عند محاولة صياغة مفهوم الألعاب عند العرب، يجب العودة إلى الماضي بعض الشيء. وبالماضي لا أقصد ماضي العرب نفسهم، بل ماضي أهالي أبناء الجيل الحالي بالتحديد. هنا سنأخذ كِبار السن كمثال، وبالتحديد من هم فوق الـ 50 عامًا حاليًّا.

في فترة طفولتهم، لم تكن التكنولوجيا هي العِماد الرئيسي لحياة الترفيه عمومًا. وقتها كانت الحياة أبسط، والألعاب تمثلت بشكلٍ رئيسيّ في الطائرات الورقية، اللعب بالبلي في الشوارع، حجر ورقة مقص، أو حتى لعبة (عسكر وحرامية). كانت الألعاب تعتمد على التفاعل المباشر مع الآخر في أرض الواقع، مما يجعلها مفعمة بالحيوية والنشاط. حتى إذا نقلنا الكاميرا إلى العالم الغربي، هناك صدرت الـ Arcade Games وقتها، واعتمدت أيضًا على التجمع في مكان واحد، واللعب بنفس الحيوية والنشاط.

لكن على الناحية الأخرى، عندما بدأت تكنولوجيا الأتاري وفكرة الألعاب المبنية على ذراع تحكم تظهر بالعالم الغربي، كانت الألعاب الأثيرة لدى العرب هي الألعاب الواقعية كذلك. مع الوقت بدأت تلك تكنولوجيا ألعاب الفيديو تغزو العرب، لكن للأسف كان قد وصل أبناء ذاك الجيل إلى مرحلة عمرية تجعلهم يزهدون الألعاب.

لذلك دائمًا ما توجد فجوة بينهم وبين التكنولوجيا، وذلك في الغالب لوجود مفهوم مترسخ عن عدم جدوى التكنولوجيا إذا تم تسخيرها في الصناعات الترفيهية مثل الألعاب. وهذا ينقلنا للحديث عن نظرة أبناء ذاك الجيل، إلى أبناء هذا الجيل. أي بمعنى أصح نظرة الآباء للأبناء هذه الأيام.

سندان التسفيه

لتبرير تسفيه الأهالي للألعاب، يجب تسليط الضوء على نظرة الأهالي أنفسهم إلى الأبناء، كأشخاص يعيشون معهم في نفس الأسرة، ويختلفون عنهم في الكثير من الأوجه.

معيارية التربية الكلاسيكية تنطوي على مفهوم ثابت وراسخ لدى أغلب الأهالي، ألا وهو (الطاعة العمياء). أي أن أهلك يعرفون ما لا تعرفه حتمًا، فبالتالي يستطيعون توجيهك للصحيح على الدوام. لكن نقطة الاختلاف هنا، هي أن الزمن غير الزمن، والحياة لم تصبح بنفس البساطة التي اعتادوا هم عليها. لذلك يعاني الأبناء بشكلٍ كبير من الضغط النفسي، الوحدة، التنمر، النبذ المجتمعي، وغيرها الكثير. فبالتالي تصبح عندهم ردود أفعال دفاعية للغاية، لا تضمن للأهل موضع السيطرة المعتاد. لذلك يشرعون في توبيخ الأبناء اعتمادًا على نتائج المشاكل التي يعانون منها في الأساس.

فتجد الوالد يعاير ابنه بالتبلُّد الدراسي مثلًا، أو ابنته بالانعزال عن الأسرة. والحل الوحيد للأبناء يكون في الهروب إلى الحيّز الإلكتروني لألعاب الفيديو، حيث هناك لن يجدوا من يتنمر عليهم أو يزعجهم، لأن كل أفراد ذلك الحيّز يتشاركون نفس الهدف، ويسعون لتحقيق نفس المتعة.

ومع اتخّاذ الألعاب كوسيلة للهروب من الواقع، يزداد الانعزال عن الواقع أكثر، وتتسع الفجوة بينهم وبين المجتمع أكثر وأكثر. وخصوصًا إذا استطاع فعلًا أن يجد الأبناء ذواتهم بداخل الألعاب، سواء كان ذلك عن طريق شخصيات الألعاب، أو تكوين شخصية وهمية لأنفسهم (بيرسونا) بداخل الألعاب، وتكون شخصية محبوبة وظريفة وذكية، على عكس شخصيتهم المنغلقة على نفسها في الواقع.

لكن الأمر لا يجب أن يكون هكذا، لأن للشباب طموح، ولصناعة الألعاب مستقبل مهول جدًا مع هؤلاء الشباب. العرب بالتحديد لديهم نزعة شديدة نحو تحقيق الذات في الألعاب الإلكترونية، وذلك نظرًا لتوافر الأجهزة والألعاب بالأسواق العربية بشكلٍ أكبر بكثير عن ما كان في الماضي، ووجود ضغوط مجتمعية تجعل الألعاب مهربًا أكثر منها وسيلة للترفيه فحسب.

مطرقة الطموح

طموح اللاعب العربي هو أن يلعب ويحصل على قيمة تعويضية في المقابل. أجل، في البداية الأمر يكون فقط محاولة للهروب من الواقع المتهالك من حوله، لكن مع الوقت يريد المزيد. والمزيد هنا يتجسد في احترام المجتمع له من جهة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي له من جهة أخرى.

إذا احترف اللاعب لعبة ما، على الفور يقرر إما فتح قناة يوتيوب يتربح منها، أو العمل في مجال المراجعات والبثّ المباشر على الإنترنت. وأيًّا كانت وسيلة الانتشار التي يختارها، فتحتاج إلى مجهود كبير، ودعم أكبر. وهنا يا رفاق يأتي دور الدعم المجتمعي.

كي ينتشر اللاعب، يجب أن يكون هناك من يحترمه في الأساس، ويقدم له الدعم المعنوي بالمشاركة والإعجاب والنقد البنّاء، أو يدعمه مباشرة بالتبرعات المالية. لكن ماذا يحدث في هذه النقطة؟ لا شيء في الواقع. اللاعب يلعب لساعات وساعات، يقدم مراجعات ومراجعات، ولا يجد دعمًا إلا من بعض الأصدقاء فحسب، والذين يعانون من نفس مشكلته أيضًا. وعندما يتجرأ أخيرًا وينقل إنجازاته الصغيرة إلى أسرته، يتعامل مع سندان التسفيه مرة أخرى.

كفانا سردًا للواقع المؤسف، ما الحلول المقترحة؟

الحلول في الواقع كثيرة للغاية، لكن سنحاول تلخيصها في صورة نقاط مختصرة. والجدير بالذكر أن هناك بلداناً عربية بالفعل لها سياسة داعمة لألعاب الفيديو، لكن الحلول المقترحة هنا موجهة للدول التي ليست لديها سياسات كتلك.

تفهم الآباء لحاجات الأبناء: أن يحتضن الأهل أبناءهم هو الحل الأول، والأكثر فعالية. عندما يشعر الشاب بتفهم أهله لطموحاته التكنولوجيا في عالم ألعاب الفيديو، ستتحسن علاقته بهم من ناحية، وسيصير أفضل في مضمار الألعاب من ناحية أخرى.

الدعم المجتمعي ضرورة: بعد تفهم الآباء لاحتياجات الأبناء، يأتي تفهم المجتمع لاحتياجات الشباب. إذا خرج التفهُّم من محور الأسرة إلى محور المجتمع، ستهتم الدولة بالأمر جدًا. ووقتها سنجد هيئات متخصصة في تنظيم مباريات الرياضات الإلكترونية، وستصير مؤتمرات الألعاب مصدرًا للدخل القومي، وفي النهاية كل هذا سيصب بالإيجاب في مصلحة اللاعب.

الدعم المادي مهم:
توفير دعم مادي ثابت للأبناء شيء هام جدًا، حيث إن ذلك يعطيهم نوعًا من المسؤولية في الإنفاق. وبالنسبة للشباب المهتمين بصناعة الألعاب (والتي تكون غالبا مرتفعة في أسعارها)، سيتعلمون كيفية إنفاق المبالغ التي في حوزتهم بهدف تحقيق أقصى استفادة، بأقل مبالغ ممكنة. وهذا له تأثير إيجابي على سياستهم الإنفاقية عندما يصبحون أفرادًا راشدين، ومؤثرين في المجتمع من حولهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى