مقالات مختارة

الأفق الملحمي وراء نظرية كل شيء

ترى، هل سيكفّ العلماء عن السعي وراء حلم "نظرية كلّ شيء" حتى بعد تلك التأكيدات المثبّطة التي أبداها هوكينغ؟

لطفية الدليمي

المعادلة الموعودة التي تصف كلّ الواقع الفيزيائي تبدو عسيرة البلوغ
غادر ستيفن هوكينغ عالمنا بعد حياة تراجيدية شكلتها الدراما الإنسانية المتأتية من كونه عقلا فيزيائيا عظيما وضع أعقد النظريات والمبتكرات الجديدة في الفيزياء، مثل فكرة الثقوب السوداء، وهو مقيّد إلى كرسي متحرّك لا يبرحه طول اليوم، وهذه حالة غير مسبوقة تفرض وقعها التراجيدي على المشهد.
بعيدا عن تراجيديا الحالة الإنسانية ارتبط اسم هوكينغ لفترة طويلة بالمسعى الملحمي المسمّى “نظرية كلّ شيء” ذلك المسعى الذي يريد منه الفيزيائيون التعبير عن القوى الأربع الأساسية المعروفة في الكون بمعادلة واحدة؛ غير أنّ ما يلفت النظر في هذا الميدان مقالة كتبها هوكينغ ونشرها في مجلة “Scientific American” عام 2011 بعنوان “نظرية كل شيء المُخاتِلة”، وظهرت ترجمتها العربية في مجلة “العلوم” التي تصدر في الكويت، وهي ترجمة عربية كاملة للمجلة الأميركية الرصينة واسعة الانتشار.
يصرّح هوكينغ في مقالته تلك بصعوبة بلوغ معادلة واحدة تصف كلّ شيء ابتداء من عالم الكوسمولوجيا (علم الكون) وحتى عالم الجسيمات دون الذرية التي هي موضع بحث الميكانيك الكمّي، والمقالة بمجملها أقرب ما تكون لأطروحة فلسفية تتناول معضلة الواقع والطريقة التي تبدّلت بها نظرتنا لهذا الواقع منذ عصر الفلسفة الإغريقية حتى يومنا هذا.
يخلُص هوكينغ للقناعة بأنّ تلك المعادلة الموعودة التي تصف كلّ الواقع الفيزيائي تبدو عسيرة البلوغ، وقد يكون الأقرب منها للتحقق سعيُ العلماء وراء مجموعة متّسقة من المعادلات تصف كل واحدة جانبا معيّنا ذا مواصفات محدّدة من الواقع.
ترى، هل سيكفّ العلماء عن السعي وراء حلم “نظرية كلّ شيء” حتى بعد تلك التأكيدات المثبّطة التي أبداها هوكينغ؟ يبدو لنا أنّ حلم التوحيد هذا ينطلق من رؤية ميتافيزيقية تختلف تماما عن الرؤية التقنية، وإذا كان هوكينغ أبدى شكوكه العميقة في بلوغ تلك النظرية الموحّدة فهو إنّما يؤشّر واقع الحال اللحظي الذي تبدو فيه الفيزياء في وضع إشكالي ينطوي على ثغرات كثيرة على صعيد الرؤى الفيزيائية والتقنيات التي تتطلبها الرياضيات وتبدو غير مكتشفة في وقتنا الحاضر، وقد تكون الكثرة من المعادلات تمهيدا أوليّا وقتيا باتجاه بلوغ المعادلة الواحدة العتيدة التي صارت بمثابة حجر الفلاسفة الذي يبحث عنه الفيزيائيون المعاصرون.
لكن، لمِ كل هذا الهوس الطاغي بالمعادلة الواحدة بدل الكثرة من المعادلات؟ يستبطن هذا الأمر -كما يبدو لدارسي الفكر والفلسفة وتأريخ الأفكار- قناعة ميتافيزيقية غير مُسبّبة ترى الحقيقة الكبرى مخبوءة في ثنايا مواضعات أولية بسيطة تنطوي على قدر عظيم من الجمال والأناقة (بالمعنى الرياضياتي عندما نتعامل في حقل الصياغات الرمزية).
ثمة في العقل البشري، وبخاصة في الفيزياء، توق ممضّ يرى الراحة والسكينة في الحقائق القليلة المضغوطة، وتلك واقعة نجد نظيراً لها في تراثنا الفلسفي العربي الذي أكّد على الأهمية الحاسمة للكليات، وقد شاركته الفلسفة الإغريقية في هذا المنحى، ولعلّ المسعى الملحمي وراء “نظرية كلّ شيء” هو بعض صدى تلك الفلسفات القديمة التي لن تخفت جذوتها على مرّ الزمن.
* كم أتمنى أن يقرأ القرّاء العرب هذه المقالة الرائعة للبروفسور هوكينغ في المجلّة المذكورة ، وهنا رابطها:
http://www.oloommagazine.com/Articles/ArticleDetails.aspx?ID=2532

المصدر
العرب اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى