اهم الاخبارمقالات مختارة

إهدار للمال العام برسم القانون

سليمان الشحومي 

تابعت بعناية شديدة نشر ديوان المحاسبة لتقريره السنوي والذي بدون أذني شك هو وثيقة مهمة شاهدة علي كيفية التصرف بالمال العام من قبل المؤسسات العامة الليبية وسلوك القائمين عليها و مدي تطبيق القانون واللوائح المالية والإدارية والفنية المرتبطة بالتصرف في الأموال العامة.

في هذه المرة سوف أتحدث عن تنفيذ الميزانية العامة للعام الماضي 2017. وسأترك الباقي لمرات قادمة، وباعتبار أن أغلب الحديث يتركز عليها الآن.

أولا : لابد لنا من العودة إلي بدايات إقرار هذه الترتيبات المالية والتي قاد عملية إعدادها ديوان المحاسبة وزارة المالية والمجلس الرئاسي والبنك المركزي معا وظهرت هذه الترتيبات برغم عدم توافقها مع القانون المالي للدولة الليبية استنادا إلي فقرة بالاتفاق السياسي المعطل أساسا، ولكن واقع الحال تطلب إيجاد مخرج للإنفاق العام وكان ذلك بتوافق الأطراف المذكورة المشاركة في العملية عند بدايتها. وكان حريا بمن شرعن هذا الإنفاق وشارك في صياغة ترتيباته أن يعقد العقد لضمان رقابة ومتابعة فورية للإنفاق و تدخل بالإيقاف في وجه أي محاولة للإهدار المالي ، فالترتيبات الخاصة تتطلب إجراءات احترازية أكثر.

ثانيا : استمر الازدواج في الإنفاق عبر إنفاق الحكومة المؤقتة في البيضاء أكثر من 6 مليار دينار اغلبها مرتبات برغم ان ميزانية الترتيبات المالية تشير إلي إنفاق بند المرتبات وفقا لما هو مرصود بالكامل تقريبا ويشير ذلك إلي خلل حقيقي في الإنفاق العام بالدولة.

ثالثا: باب المصروفات العمومية بالترتيبات المالية أنفق منه ما نسبته 85% من المقدر بمبلغ 4.5 مليار تقريبا وهذا الباب يعتبر المشكلة الأبرز في الإنفاق والذي استغل بشكل غير سليم ويعاب علي وزارة المالية عدم السيطرة والمتابعة الدقيقة لنفقات هذا الباب والذي استغل من اغلب الجهات بشكل أهدر المال العام ووفقا للقانون، كون الجهات أنفقت بناء علي ما هو مخصص لها ووفقا للبنود المحددة ، كان من الأجدى أن يدار هذا البند بشكل أكثر دقة ومهنية من وزارة المالية وتراقب وتفحص الإنفاق عبر المراقبين الماليين بالجهات وتصدر المنشورات والتوجيهات في كيفية الإنفاق الحذر والرشيد، فلا يمكن أن نقبل أن يجلس أعضاء المجلس الرئاسي علي كراسي مريحة وناعمة ورحلات خارجية خاصة ، في حين لا يجدون تلاميذ المدارس كراسي خشبية للجلوس عليها ولا المرضي بالمستشفيات أسرة ينامون عليها.

رابعا: مشروعات التنمية خصص لها 4 مليار وأنفق منها 3 مليار ولكن دون إفصاح او تقارير متابعة وضعف وزارة التخطيط في المتابعة وإعداد التقارير عن تنفيذ مشروعات التنمية.

خامسا: بند الدعم أنفق تقريبا 6 مليار علي الأدوية والمحروقات والكهرباء العامة والمياه والنظافة العامة ولكن أزمة السيولة صعبت علي الجهات أن تقوم بواجباتها وفقا لوجهة نظر الديوان وظلت المدن والقرى الليبية تعاني برغم هذا الإنفاق من أزمة القمامة مثلا وذهب دعم المحروقات لتمويل المحروقات بدول مجاورة وخلق شبكة فساد دولية.

سادسا: وجود ميزانية للطوارئ برغم إقرار وتنفيذ ميزانية الترتيبات المالية واستخدامها من قبل المجلس الرئاسي والجهات التابعة بشكل غير متفق مع القوانين واللوائح المالية ، كان من واجب وزير المالية أن يوقف ذلك وغيره من الإنفاق المبالغ فيه لصالح أطراف معينة .

ختاما: تنفيذ ميزانية الترتيبات المالية وميزانية الطوارئ شابه الكثير من المشاكل وأفسح المجال للفساد المنظم الذي تجلي في أن تهدر الموارد في نفقات تشغيلية تهدف أساسا إلي ضمان تشغيل واستدامة عمل المؤسسات وقيامها بدورها وفقا للقانون. لقد أنتج تنفيذ ميزانية الترتيبات المالية فسادا من نوع جديد يمكن أن نسميه الفساد المنظم بالقانون.

لاشك أن المسؤولية القانونية قد لا تطال الكثيرين ولكن المسؤولية الأخلاقية والمهنية والمسؤولية تجاه الشعب تطال المؤسسات والقائمين عليها لتطاولهم القانوني علي المال العام. صحيح أن ديوان المحاسبة أماط اللثام عن حجم الكارثة ولكنه يبقي جزء من المسؤولية ملقي علي عاتقه في إجراء الرقابة المصاحبة للإنفاق العام وإصدار التعليمات بالتنسيق مع المجلس الرئاسي و وزارة المالية ووزارة التخطيط والبنك المركزي (شركاء إقرار الترتيبات المالية) لكبح جماح هذا الفساد القانوني، وربما ستذهب أي محاولة لكبح جماح هذا الفساد إدراج الرياح بسبب أن المؤسسات لا تعمل معا كشركاء في المسؤولية ولكنهم يعملون كأعداء ومتنافسين في ظل انعدام قانونية ممارسة جميع المسؤولين الحاليين في هذه المؤسسات لمهامهم وصلاحياتهم الرسمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى