مقالات مختارة

إما فنان أو داعشي!

ممدوح المهيني

استقطب تنظيم داعش المئات من أصحاب العيون الزرقاء في صفوفه وتسلموا فيه مناصب ما بين قادة وقاطعي رؤوس أو منتجي أفلام على الطريقة الهوليوودية. ليس في الأمر غرابة، فالداعشي الغربي لا يختلف عن الداعشي العربي. لديهم ذات العقل الإرهابي الذي يكفّر أولاً وينحر ثانياً ويحتسب الأجر ثالثاً.
لا مشكلة في التواصل مع الدواعش فمشروعهم على مستوى التنظير والتسويق واضح. الأهداف معلنة والطرق لتحقيقها محفوظة في الصدور. أي تصرف بربري مقبول لجعل دولتهم باقية وتتمدد. كل ما يعلنون عنه وما يقومون به وما يصورونه لا يحتمل تفسيرين. المشكلة ليست معهم، بل مع من يشوش ويسوق مسببات للإرهاب هي في حقيقتها تبريرات خطيرة لأنها تشرعنه وتمده بالحياة.
آخر هذه التبريرات هي حديث الفنان البريطاني ريز أحمد الذي قال إن استبعاد الشباب المسلم من التمثيل في مسلسلات التلفزيون سيدفعهم للانضمام للتنظيمات الإرهابية. يعني أن الشاب المهووس بالسينما والباحث عن دور صغير في مسلسل يلعبه إلى جانب كيفن سبيسي، سينقلب على الفور لداعش إذا ما أبعد من المشاركة لنقص في موهبته. يقول باختصار: اقبلوني فناناً أو سأكون إرهابياً عقاباً لكم!
لا تستحق وجهة النظر هذه أخذها بجدية ولكن هذا الفنان ليس ساذجاً كما يمكن أن نتخيل. إنه يلعب على وتر التخويف من المسلمين الذي استخدمه قبله كثيرون بنجاح لتحقيق مكاسب شخصية أو فكرية. المنتفعون استخدموه للمال والمتشددون لترهيب الأجانب المذعورون. بثوا الرعب بطريقة مدروسة. لا تكتب هذا الكتاب المسلمون سيغضبون ويوقف الكاتب كتابه، لا تنتج هذا الفيلم سيجن جنون المسلمين ويوقف المنتج فيلمه، لا ترسم هذه اللوحة سيخرج المسلمون غاضبين في الشوارع، فيرمي الرسام ريشته مرتعشاً. هذا الأسلوب نجح وأراد هذا الفنان استثماره.. لم لا؟
لكن هذا الأسلوب مكشوف والرد عليه ليس صعباً. لا يوجد أحد يختار الإرهاب عقيدة إلا وهو مشبع بالتطرف، ولن ينتظر حتى تنخدش مشاعره لأن استوديوهات الإنتاج لم يقدروا موهبته الفنية وحطموا آماله. المنطق الآخر الأكثر خطورة هو في اختيار قصص مخادعة من أجل التبرير للإرهاب. من هذه القصص مثلاً هو الهجوم الأخير على مستشار الأمن القومي الأميركي المستقيل مايكل فلين بتهم أنه يكره المسلمين وأن اختيار الرئيس الأميركي ترمب له سيزيد من عدد المجنّدين لداعش.
هذا التبرير مغالط ومخزٍ وخطير في ذات الوقت. مغالط لأن فلن يوجه حديثه للمتطرفين من السنة والشيعة وليس عامة المسلمين. أنهيت مؤخرا كتابه “ميدان المعركة”، ولم يشمل كلمة واحدة تشم منها رائحة الكراهية والتعصب الأعمى. بل على العكس، ثلاثة أرباع الكتاب هجوم على نظام الملالي والربع الآخر مخصص للتنظيمات الإرهابية. موقف سليم غالبيتنا نتفق معه. أما لماذا موقف مخزٍ لأن متبني هذا الرأي يقومون عن قصد باستغلال عواطف المسلمين ويدركون أن الغالبية لا تطلع، فيقومون بالتلاعب من خلال تقديم معلومات مضللة وبعد ذلك شحنهم بالغضب ومن ثم توجيههم لتحقيق أهدافهم التي لا علاقة لنا بها. الخطورة تكمن أن هذا الأسلوب يشوش على الأسباب الحقيقية للتطرف والإرهاب التي لا علاقة لها لا بفن ولا بمايكل فلن.
مؤخرا نشرت جريدة واشنطن بوست تقريراً حذرت فيه بأن كبير استراتيجيي ترمب ستيف بانون يزيد من غضب المتطرفين ويسرّع من عملية التجنيد. هل يمكن أن يقوم رجل واحد بتنشيط الماكينة الإرهابية؟! بالطبع لا. ولكن هل تحتاج التنظيمات الإرهابية لشيء يستفزهم حتى يقوموا بالتحريض وجمع المناصرين؟ لا مرة أخرى. والدليل أن تنظيم داعش نشأ ونشط في عهد رئيس ناعم مثل أوباما، ولم يتغير شيء في عهد رئيس صريح مثل ترمب ولن يتغير شيء بعده. أليس وجود “الكفار” و”الزنادقة” و”المبتدعين” خارج هذه التنظيمات- وهم غالبيتنا بحسب عقيدتهم- هو بحد ذاته مستفز لهم؟ أشك أن الكثير منهم يعرف من هو بانون أو حتى يهتمون له. إرهابيون ببانون أو بدونه. يقول التقرير إن بانون أثار الغضب مرة عندما وصف موجة التطرف بالفاشية الإسلامية وهذا تفسير صحيح قيل سابقاً عن المتطرفين الذين يستخدمون كل الطرق الفاشية من بروباغندا وتعليق المشانق لتثبيت عقيدتهم المتطرفة ودولتهم المريضة.
هذا الخلط المتعمد ونهج لا تستفزوا الإرهابيين يُستخدم لأسباب حزبية سياسية أو فكرية عقدية أو نفعية مصلحية ولكن نحن المتضررون أولاً وأخيراً. أكثر الإرهابيين والضحايا منا. من المهم أن نكون واضحين وصريحين حتى نضع حداً لهذه المأساة المتكررة. هل نسينا التوأم اللذين نحرا أمهما في المطبخ بنفس السكين التي كانت تجهز لهما بها الغداء والعشاء؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع العربية.نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى