اخترنا لككتَـــــاب الموقع

إشكالية الحرية في الربيع العربي

د.جبريل العبيدي

منذ بداية ” الربيع العربي “ظهر خلل وإشكالية بل وفوضى في مفهوم الحرية ، فللحرية مفهوم قد يجهله البعض أثناء ممارسته لها وشعوره بها ، فنهج البعض سلوكيات خاطئة ، ظنا منه أنها الحرية، مما جعل من دراسة مفهوم الحرية إحدى الخطوات الهامة للتعايش بسلام بين الجميع في البلد الواحد لتحقيق السلم المجتمعي دون إضرار أى طرف بآخر ، بحجة ممارسة الحرية بمفهوم خاطئ ،فالإنسان له الخيار في أى طريق يسير ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)).

الحرية عند هيغل ، تتحقق للفرد من خلال التزامه بالواجب، وهذا المفهوم قد نجده غائبا عند البعض ،فالأغلبية من الناس لا تلتزم بالواجب ، وبالتالي وفق مفهوم الفيلسوف هيغل، فإنهم ليسوا أحرار، والحرية غائبة عنهم رغم ظن البعض أنه يمتلكها وحر التصرف بها، وأنه حر في اختراق الإشارة الحمراء، ومخالفة النظام والقانون، وحر في تكاسله وتغيبه في أداء عمله ،و الالتزام بوجباته تجاه الوطن وتجاه غيره، وهذه الإشكالية ظهرت بعد ما عرف بالربيع العربي وانتشار الفوضى بمفهوم الحرية، في حين هو يمارس الفوضى والعبثية ، كمفهوم آخر وبديل للحرية ، فحرية الفرد ليست منفصلة عن حرية الجماعة، ولعل روسو ذهب إلى أن مفهوم الحرية يقوم على تطابق بين إرادة الجماعة وإرادة الفرد، لأنها بذلك تتحول إلى فوضى، تتسبب في خطر يقع أثره على الجميع مما يجعل حرية الفرد مقيدة، بسلامة المحيط، الذي ينتمي إليه، فحرية الفرد لا تعني مصادرة حرية الآخرين، كخروج الفرد عاريا مثلا فهو حر في ذاته ،ولكنه بهذا الفعل صادر حرية الآخرين، بل وتسبب في الأذى لهم بتلويث أبصارهم بمشهده القبيح، ويقاس على هذا الكثير.

للحرية مفهوم لا يضبطه فقط ما قد يمليه الفرد على نفسه، كضابط شخصي قد لا تتوفر عنده معايير للحرية، في مجتمع يعيش ويتعايش فيه مع الآخرين لا كوكبا يسكنه لوحده.

كبح الجنوح في الحرية ، كما قال الفيلسوف جون ستيوارت ميل: ((السبب الوحيد الذي يجعل الإنسانية أو (جزءا منها) تتدخل في حرية أو تصرف أحد أعضائها هو حماية النفس فقط ، وإن السبب الوحيد الذي يعطي الحق لمجتمع حضاري في التدخل في إرادة عضو من أعضائه ،هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف)) ولتحقيق حرية منضبطة ، فلابد من تحقيق مبدأ العدل ،الذي هو مفتاح الحرية، ومن أهم ما يواجه بناء الدولة ، فلا يمكن أن تستقيم الحياة عامة والسياسية خاصة ما لم يتوفر العدل، و هذا ما توصل إليه الفلاسفة الإغريق منذ القدم ،حيث ربطوا بين مفهوم العدل ، والحياة السياسية، وأفلاطون كان أول هؤلاء،حيث جعل من العدل الأولوية المعيارية في النظام السياسي، والأخلاقي ، وجعل من الانضباط في استخدام الموارد المتعددة وتوزيعها بشكل عادل، وتحقيق المساواة، وإتاحة الفرص للجميع، يؤسس لمجتمع عادل سيكون لديه سياسة عادلة، ولحل هذه الإشكالية، لابد من وجود أرضية مشتركة توافقية، وخاصة نحن مجتمع متجانس متطابق في القيم والثقافة والدين ،مما يسهل وجود إرادة مشتركة بين جميع المواطنين، مما يسهل علينا كتابة العقد الاجتماعي أى الدستور، بشكل توافقي ليعبر عن إرادة مشتركة تكفل حق المواطنة، وتحقيق العدل وممارسة الحرية المنضبطة وبسبب غياب مفهوم الحرية المنضبطة بقيت مجتمعات “الربيع العربي” تعاني دكتاتورية حرية التعبير.

*كاتب وأكاديمي ليبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى