حياة

إحياء “القرنة” ذات الطراز الإسلامي والصديق للبيئة

في مسعى جاد للحفاظ على التراث المعماري المصري وتخليدا لفلسفة “عمارة الفقراء” التي كرس لها المعماري المصري الراح- حياته، أطلقت مصر مشروع (إعادة إحياء القرنة الجديدة) وهي القرية المشيدة بمواد طبيعية على الضفة الغربية للنيل بأقصى جنوب مصر.

شيد فتحي القرية بين عامي 1946 و1952 لاستيعاب سكان القرنة القديمة التي أقيمت فوق منطقة بها مقابر أثرية في الأقصر مما اضطر السلطات إلى نقل سكانها بعد شيوع سرقات المقابر والتعدي عليها.

واستلهم المعماري المصري الطراز الإسلامي في قريته الجديدة واعتمد في تشييدها على المواد التي وهبتها البيئة للإنسان من طين وحجر فاستطاع تسخير البيئة لخدمة البشر والهندسة المعمارية.

وأدرجت القرية على قائمة التراث العالمي عام 1971 لكن بمرور السنين أدركتها يد الإهمال وبدأت بيوتها ومبانيها في التهالك مما استدعى تضافر جهود الحكومة المصرية ممثلة في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والجامعة الأمريكية بالقاهرة للعمل على إحياء القرية وفكرة حسن فتحي.

وقال المهندس طارق والي استشاري مشروع إعادة ترميم القرنة الجديدة خلال عرض موجز لخطة الترميم أمس الاثنين “القرنة الجديدة حلم لم يكتمل.. لم يكتمل من 70 سنة لكنه حلم كاد أن يضيع، واليوم نحن نتحدث عن عودة الحلم الضائع”.

وأضاف “اليوم نحاول أن نستعيد حلم حسن فتحي ليس فقط كمعماري لكن كحلم ثقافي، اجتماعي، اقتصادي وحضاري، ونعيد له من جديد مفهوم المحافظة على الطابع الأساسي للقرية”.

وتابع قائلا “القرية عانت على مدى 70 سنة من عوامل تدهور كثيرة، بعضها بفعل الدولة والبعض الآخر بفعل المجتمع، إذا حدثت بعض التعديات على القرية وعمليات هدم وإعادة بناء إضافة إلى تهدم بعض المباني والمنشآت”.

الترميم والتمويل

 

القرنة

ويشمل مشروع إعادة ترميم القرنة الجديدة ثلاث مراحل، تتضمن المرحلة الأولى ترميم مبنى الخان وترميم الجامع، بينما تتضمن المرحلة الثانية ترميم مبنى مسرح القرية ومسكن حسن فتحي وإعادة تأهيل سوق القرية، فيما تتضمن المرحلة الثالثة ترميم دار العمودية وإعادة تأهيل الميدان العام ورفع كفاءة الطرق.

وقال غيث فريز مدير مكتب اليونسكو الإقليمي للعلوم في الدول العربية وممثل اليونسكو لدى مصر في تصريح لرويترز “هذا المشروع مشروع متميز، والموقع أصبح موقع تراث لليونسكو منذ عام 1971، وأهم ما في المشروع إنه يخلد الفكرة، يخلد الفلسفة التي جاء بها حسن فتحي، فلسفة عمارة الفقراء، فلسفة استعمال المواد المحلية بشكل متوازن بيئيا”.

وأضاف “اليونسكو مهتمة بالتأكيد بالقرية واستطعنا الحصول على تمويل قدره 750 ألف دولار كما نقدم للمشروع الدعم الفني ونتعاون مع المهندسين المصريين ومنهم تلامذة حسن فتحي، وهذا التزام من اليونسكو بأن تقدم ما تستطيع ضمن الموارد المتاحة للحفاظ على هذا التراث الحضاري”.

ويقدر عدد الأسر التي تسكن القرية حاليا بنحو 70 أسرة لكن ليس معروفا على وجه الدقة العدد الإجمالي للسكان الذين يعمل معظمهم بالزراعة.

وتشتهر القرية بإنتاج مشغولات يدوية تعبر عن التراث والثقافة المصرية تلقى رواجا لدى السائحين الزائرين لمحافظة الأقصر.

جدول زمني

القرنةورغم صدور توصيات كثيرة على مدى السنوات القليلة الماضية بضرورة ترميم وإعادة تأهيل القرية وتوافر النوايا للبدء في المشروع إلا أنه تأجل أكثر من مرة بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي عاشتها مصر بعد الانتفاضة الشعبية في 2011 وعدم توفر التمويل اللازم.

وقال والي لرويترز عقب استعراض خطة إعادة إحياء القرية “ترميم الموقع التراثي يختلف عن ترميم الاثر التاريخي، الأثر نحافظ عليه كما هو كاستمرارية مادية لكن عند التعامل مع التراث نحن نتعامل مع جسم عضوي حي قابل للتطور والنمو مع المحافظة على أصوله وجذوره”.

وأضاف “استلمنا الموقع بالفعل قبل أسابيع قليلة ولولا ذلك لما وقفنا هنا وتحدثنا عن المشروع، فعلى مدى العشرين سنة الماضية تراكمت الأبحاث والدراسات والتوصيات دون بدء عمل حقيقي على الأرض”.

وبجانب إعادة تأهيل القرية وترميمها يتيح المشروع فرص عمل لأبناء القرية الذين أتقنوا هذا النوع من البناء الصديق للبيئة.

 

القرنةوقال والي “العمالة التي تشارك في المشروع هي من أبناء المنطقة بشكل كامل.. هناك أجيال عملت مع حسن فتحي وأورثت خبراتها لأجيال تالية. لدينا ما بين 20 إلى 25 عاملا وقد يصل العدد إلى 30”.

ولم يتضمن عرض خطة إعادة تأهيل القرية أمام المتخصصين ووسائل الإعلام أي موعد زمني محدد للانتهاء من المشروع لكن المهندس المشرف على العمل قدر الفترة الزمنية بين عامين ونصف وثلاثة أعوام قابلة للاختصار.

وقال والي “لم نضع موعدا محددا للانتهاء من المشروع لكن التمويل المتوفر حاليا مخصص للمرحلة الأولى والمقدر الانتهاء منها خلال عام واحد”.

وأضاف “بشكل مبدئي قد يستمر المشروع بين عامين ونصف إلى ثلاثة أعوام، لكن إذا توفر التمويل اللازم يمكن أن يسير العمل بشكل متواز وليس بشكل متتال فنستطيع أن نرفع عدد العمال ونختصر الوقت”.(رويترز)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى