اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

أيام ثورة فبراير وسلطة “الكلاشنكوف”

حمزة جبودة

1

لم يكن فبراير يحظى باهتمام، مع أخيه شهر سبتمبر، رُغمًا عن تفاوت الوقت الواضح بينهما، كان ودودًا عكس أخيه سبتمبر الذي أعلن في العام 1969 أنه الأخ الأكبر ومن يعصي أوامره سيعاقب.

سبتمبر تجرأ ومزّق الأوراق الرسمية لأخوته، وغيّر أسماءهم جميعا. نصّب نفسه إله الثورة، لا في ليبيا بل في كل العالم، وجعلها مفتاح الدخول لكل أخوته الأحد عشر. اجتمع مع مارس وعقد أول صفقة معه. هو أول حُلفاء سبتمبر، وأول ضحاياه. لم يكن قادرا على أن يصدم أخاه ويخبره: أن سلطة الشعب لن تكون البلسم في مسيرتك، لن يبقى معك في المشهد الأخير إلا بعض أيام من صُلبك. حاول مارس أن يخبر كل أخوته بما حدث، وحاول أن يجتمع مع سبتمبر أكثر من مرة، بعد عقد الصفقة، لكنه لم يفلح في ذلك. كان يُردّد في أيامه الأخيرة مع أخوته: ضحك علينا وعلى نفسه.. لن يصمد أبدا.

2

شهر فبراير “النوّار” وفقا للتقويم “الجماهيري”، لم يكن يملك أي سلطة مع أخوته، تعلّم الصمت منذ أن أخبره أخوه الثائر أن اسمه السابق لا يليق بـ “الجماهيرية”. وعليه أن يلتحق بالمعسكرات ويتعلّم كيفية تفكيك وتركيب “الكلاشنكوف”. العدو لن يمنح سبتمبر الذي أصبح “الفاتح” أي فرصة للدفاع. كانت أمريكا في تلك الفترة، والعالم يراقبون الأخ الجديد “الفاتح”، والفكر الجديد، من معنا ومن ضدنا.. لم يُتعبهم سبتمبر كثيرا، قال لهم: إما أنا أو أنتم، وخسِر بعدها كل شيء ببساطة.

3

سيرة سبتمبر الذي كان ساخنًا، تغيّرت. وأصبح عدوّا لكل أخوته، فتح النار على كل من يجرأ على أن يقول لهُ أنت لست الإله، ومن يرفضك ليس كافرا. حاول بعدها أن يجمع أيامه التي أصبحت ناضجة واقترب عمرها إلى عمر “الشهر الحاكم”، رتّب “الفاتح” أيامه وفقًا لرؤيته الخاصة. كان هذا بعد خساراته الأولى. فتح أبوابه لشهور العالم، ودفع لها الأرقام الكبيرة، وانتظر وحده ساعات طِوال، في سبيل أن يحكم القارات الخمس. لم يلتفت يومًا لباقي الأيام التي كانت تنتظر الكثير منه، لم يعترف يوما أنهم جزء من سيرته. وفي أول مواجهة معهم، أنكر وجودهم.

4

فبراير في الأثناء، تأمّل المشهد كُلّه، اكتشف نفسه يعيش أول رهان بالنسبة له. حاول أن يفهم من أخيه سبتمبر، لماذا أمرت بفتح المخازن، من قال لك إن تفكيك وتركيب الكلاشنكوف، سيصنع المجد لكَ. من أوهمك أن الجماهير تُحبّك، عليك أن تفهم جيدا، لا أحد يحبك إلا أيامك التي أنجبتها وبضعة أيام أخرى كبُرت معك وستنتهي معك. لا أحد يقف مع “الفاتح” غيرهم.. أخوك “أكتوبر” سيكشف لك كل شيء، أخوك الذي غيّرت اسمه وأصبح “التمور”. كُنتُ أتجنّب مواجهتك العنيفة، لم أكن أكرهك، لم أزعجك أبدا، كنت أخا وستبقى أخا.

5

ثورة فبراير، انتهت في أول أيامها، تحديدا بعد انتشار السلاح ودخلت في مرحلة جديدة، ومُخيفة مع الأفكار الدخيلة ووصول بعض “معارضي النظام السابق”. هذه العبارة حاول فبراير لأكثر من مرة كتابتها على جدران البيوت والمؤسسات الحكومية، لكنه لم يجرأ على فِعلها.

6

اليوم يراقب فبراير أيامه التي كبُرت وأصبحت ناضجة، لم يعد لهُ أي وجود، كل أيامه التي انتفضت لأجله، وبعدها خانته مع أول انتصار لهُ. لم يسلم أحدٌ من أبناء أخيه “سبتمبر”، أُدخلوا السجون السرية، تم تعذيبهم وقتلهم وتهجيرهم. حتى وصل الأمر بعدها إلى أيامه الأولى، التي تمّ نفيها واتهامها بأنها خائنة، لا لشيء فقط لأنها صرخت في وجوه من اعتقدوا أنهم “الآلهة الجديدة”.

يحدث دومًا للثورة التي تنتفض على من قبلها، أن تحاول استدعاء أدوات “خصمها” لاستخدامها في أي محاولة للتمرد عليها. لا تملك الثورة أي شرعية وليست نهاية التاريخ في ليبيا. لن تصمد كثيرا.. لن تنتصر، إلا بطريقة واحدة: أن تعترف بأخوتها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى