مقالات مختارة

أسباب تدعو للقلق من اختفاء الشركات العامة

نوح سميث

تمثل المؤسسات العامة خليطاً غريباً، ذلك أنها ليست عامة بالمعنى الصحيح، بمعنى أن الحكومة تملك حصة فيها – وإنما هي شركات تخضع لملكية خاصة تلتزم بالمعايير الحكومية المرتبطة بالإبلاغ المالي. نظرياً، تصبح هذه المؤسسات بفضل هذا المستوى من الشفافية مناسبة لأن يستثمر العامة فيها.
ونظرياً أيضاً، يحمل هذا الأمر في طياته منفعتين بالنسبة للشركة. ومن المفترض أن الشفافية المالية والالتزام بمعايير حكومية صارمة يعززان مستوى ثقة المستمرين ويجعلهم أكثر استعداداً للاستثمار، وإمداد الشركات برؤوس أموال. في الوقت ذاته، فإن الخضوع للتفحص العام من المفترض أنه يجبر مديري الشركات على الانضباط، ذلك لأنه حال اتخاذهم قرارات استراتيجية رديئة، فإن ذلك سيدفع أسهم شركاتهم نحو الانخفاض. أما إذا نجحوا، فسترتفع هذه الأسهم.
من ناحيتها، شبهت يوجين فاما، العالمة الاقتصادية المعنية بالجوانب المالية والحائزة جائزة «نوبل»، حشود المستثمرين بجحافل أسماك البيرانا، التي تقف على أهبة الاستعداد لالتهام أي معلومة عن قيمة شركة ما، والعمل على دفع أسعار أسهمها نحو الأعلى أو الأسفل حسب المعلومات المتاحة.
ومن المفترض كذلك أن تكون الأسواق العامة جيدة للعامة. إذا كانت ملكية الشركات مفتوحة أمام أعداد كبيرة من المستثمرين، فإن عائدات رأس المال ستتوزع على نطاق أوسع. ورغم أن هذا الأمر نادر الحدوث نسبياً، فإن الأسواق العامة تسمح، من الناحية النظرية، للمستثمرين بالتحوط ضد المخاطر الشخصية – مثلاً، إذا كنت تعمل لدى «جنرال موتورز كو»، بإمكانك شراء أسهم في «تويوتا موتور كورب» كإجراء حمائي ضد إمكانية دخول «تويوتا» في منافسة أمام «جنرال موتورز».
وبذلك يتضح أن الأسواق العامة تشكل حلاً وسطاً معقداً يسعى لخدمة أغراض كثيرة في آن واحد، ما يجعلها عرضة للانهيار. في الواقع، يبدو أن هذا الأمر يحدث بالفعل، على الأقل داخل الولايات المتحدة. ومثلما أوضح العالم الاقتصادي رينيه ستولز وآخرون، فإن عدد الشركات المسجلة شركات عامة داخل الولايات المتحدة تراجع من 4.943 عام 1976 إلى 3.627 فقط عام 2016. ومقارنة بعدد السكان، فإن هذا يشكل تراجعاً بنسبة تقارب 50 في المائة.
إذن لماذا يحدث ذلك؟ تتمثل أحد الأسباب في أن الشركات العامة تزداد ضخامة فقد زادت رسملة الشركة المدرجة بنسبة تقارب 1 من 10 خلال العقود الأربعة الأخيرة، حتى بعد حساب التضخم. ويوعز ستولز ذلك إلى تنامي الأصول غير الملموسة – مثل التكنولوجيا والمعرفة الفنية وشهرة العلامة التجارية والأسرار الأخرى غير الواضحة للعيان التي تستغلها الشركات في مواجهة منافسيها الأقل إنتاجية. وعليه، فإن تراجع أعداد الشركات العامة قد يشكل جزءاً من توجه عام على مستوى الاقتصاد الأميركي نحو التركيز.
ويتمثل سبب آخر في أنه بفضل التكنولوجيا الجديدة والتنظيمات الجديدة والتغييرات التي طرأت على هيكل الأسواق المالية، ثمة حوافز أكبر اليوم أمام الشركات لتجنب الأسواق العامة. ونتيجة صعود الأسهم الخاصة والتحول نحو المؤسسات الاستثمارية مثل صناديق التحوط، تجد الشركات سهولة أكبر عن أي وقت مضى في جمع رؤوس أموال دون الخضوع لمتطلبات الإبلاغ القاسية التي تفرضها السوق العامة. وكان من شأن مؤسسات مثل «شيرزبوست» و«ناسداك برايفيت ماركيت» تيسير التداول في الأسهم ذات الملكية الخاصة بدرجة كبيرة. جدير بالذكر أن قانون «ساربانيز – أوكسلي» الذي أقر في أعقاب الفضائح المحاسبية للشركات في مطلع الألفية الجديدة، زاد بدرجة بالغة من المخاطرة الشخصية التي يتحملها المسؤولون التنفيذيون بالشركات التي تصبح عامة. كما أن الإبقاء على الشركة داخل النطاق الخاص يمكن أن يعين المسؤولين التنفيذيين أصحاب النظر البعيد للتخطيط لفترات طويلة، دون التعرض لضغوط الأسواق العامة التي تدفع المستثمرين للتركيز على تقرير عائدات الربع التالي. وبسبب تنامي العبء المرتبط بالخروج إلى السوق العامة وتنامي سهولة البقاء داخل السوق الخاصة، يختار عدد أكبر من الشركات البقاء بعيداً عن دائرة الضوء. واللافت أن شركات عملاقة مثل «أوبر تكنولوجيز إنك» شهد حجمها تنامياً هائلاً دون أن تصبح شركة عامة (رغم أنها تخطط لتنفيذ عرض عام أولي عام 2019). ومنذ وقت قريب، أعلنت «تيسلا موتورز إنك» أنها تفكر في التحول لشركة خاصة.
الحقيقة أن هذا التحول في الأسواق يثير القلق، بالنظر إلى جميع المهام التي تضطلع بها الأسواق العامة. ومع هذا، ثمة أسباب تدعو للاعتقاد بأن الأسواق العامة لم تكن تضطلع بمهامها على النحو المفترض منها.
على سبيل المثال، اتضح بمرور الوقت أن النظرية القائلة إن الأسواق العامة ستدفع الشركات نحو الحد الأقصى من الربحية غير دقيقة. وتكشف تحليلات إحصائية أن المستثمرين في الأسواق العامة تجاهلوا كثيراً من المعلومات المهمة الواردة في سجلات الشركات. وتعج الأسواق العامة بأوجه القصور، بجانب أنها عرضة للفقاعات والاضطرابات.
وفي تلك الأثناء، لم تحقق الأسواق العامة نتائج جيدة فيما يخص توزيع الثروات، ذلك أن الأسهم في معظمها مملوكة للأثرياء، بينما تبقي الطبقة الوسطى الجزء الأكبر من ثروتها في أصول ملموسة.
وطبيعة الحال من الممكن أن تكون جميع هذه المشكلات أسوأ داخل السوق الخاصة. وتعني صعوبة بيع الأسهم الخاصة على المكشوف أنه ستكون هناك ضوابط أقل على القيم المبالغ فيها. كما أن الكشوف الخاصة بالشركات الخاصة قد تحوي معلومات أقل عن تلك الخاصة بالشركات العامة، ما يعني أن المستثمرين المحتملين يجابهون أحياناً حالة من الغموض والارتباك. إضافة إلى ذلك، فإن مستثمري الطبقة الوسطى ليس بمقدورهم الوصول إلى الأسهم الخاصة إلا عبر وسطاء مثل الصناديق الاستثمارية التي تقتطع لنفسها جزءاً كبيراً من الأرباح.
وعليه، فإن السبيل المثلى لتجنب مزيد من التردي في فاعلية الرأسمالية الأميركية تكمن في العمل على تعزيز كفاءة الأسواق العامة. وينبغي أن يركز صناع القرارات على سبل لتوسيع نطاق ملكية الأسهم لتمتد إلى داخل الطبقة الوسطى. وينبغي العمل على تعديل قانون «ساربانيز – أوكسلي» للحد من المخاطرة التي يتحملها المسؤولون عن إدارة الشركات العامة، وتعزيز متطلبات الإبلاغ بالنسبة للشركات الخاصة التي تفوق حجماً وعمراً معينين.

المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى