مقالات مختارة

أسئلة انسحاب داعش أو طرده

عدلي صادق

وسط غابة من الألغاز، شوهدت صور انسحاب بقايا تنظيم داعش من الرقة، وهو انسحاب لم يجر اعتراضه ولا استكمال نَبَئِه بإيضاح الوجهة التي انسحب إليها الإرهابيون المتوحشون. فقد مر نبأ الانسحاب، مثلما مر ويمر فعل “الطرد” دون “السحق” في البيانات العسكرية، التي تفاخر بأنها طردت داعش، دون أن تكلف نفسها صراحة، الإيضاح إلى أين كان هذا الطرد؟

فمن المؤكد أن الانسحاب، مثل الطرد، يكون إلى موضع قتالي آخر للقوة الظلامية المتوحشة الموبوءة بأسوأ أمراض الخيانة. وليس مستبعدا أن يصدر عن داعش نفسه بيان يلـمح إلى انتقال القوة المنسحبة إلى مدن أوروبية أو إلى سيناء أو الجزائر، وسط استغراب الجميع كيف ينتقل هؤلاء بهذه البساطة ومن الذين يساعدونهم، بينما المسافرون الطبيعيون أصبحوا يعانون شقاءً في السفر والتفتيش اليدوي والممغنط. ثم ليس لداعش بقعة ذات طبيعة اجتماعية سلمية، لكي ينسحب إليها المهزومون منه، لكي يستأنفوا حياة عادية كالبشر المسالمين. لذا يُحال إلى عالم الألغاز، ما يُقال إنه انسحاب للتنظيم الإرهابي من هذا المكان أو ذاك. داعش لم يدع لأحد هامشا للاجتهاد بشأن أهدافه واحتمالات توبته. فمن بين شعاراته المطلقة ما قاله أبومحمد العدناني، أقوى ناطقيهم فصاحة وبلاغة ووضوحا “لا يطمعنّ أي مسلم أن تقام دولة الإسلام إلا على الجماجم والأشلاء.. فلحم العدا أشهى طعام”.

في معركة الرقة تبدت عناصر الجهالة والإجرام عديدة تتوخى النجاة وتتحاشى الموت. وبشفاعة ما قيل إنها وساطة عشائرية في الرقة، سُمح لهم بالانتقال إلى مواضع أخرى، ليصبح القضاء عليهم فيها، معادلا موضوعيا لتدمير القرى والمدن التي يسيطرون عليها. وهنا تنهض الأسئلة التي تقوم من تحت أنقاض قرى وحواضر أخرى. فما هو تفسير لحظات التهدئة التي تتيح لداعش أن ينسحب، علما بأن الغالبين كانوا ولا زالوا يدمرون حيا أو شارعا أو قرية أو مدينة بأكملها، بنيران من الأرض والجو، للإجهاز على مقاتل داعشي واحد؟

ما الذي سيحدث أكثر من المتوقع حدوثه، حين تعترض أي قوة من الجيوش المتحالفة، طريق المنسحبين إلى أماكن أخرى فتفرض عليهم إما التسليم وإما الإبادة؟ إن غياب الأجوبة عن هذه الأسئلة، معطوف على الألغاز التي اكتنفت ظهور داعش قبل بدء الحملات العسكرية فادحة الثمن للإجهاز عليه.

في بعض الجزئيات التي ظهرت بعد معركة تحرير الرقة، ظهرت عينة من تشابك الخيوط وتقاطعاتها. فوزير الدولة السعودي المكلف بشؤون الخليج ثامر السبهان، طار الى الرقة واجتمع مع ضباط حزب العمال الكردستاني الماركسي، ويكون الجواب عن كيفية اجتماع الشامي مع المغربي أن ثمة ترتيبات مسبقة متفق عليها، ولعل هذه من ضمن المعادلات التي يصعب تفكيها وفهمها؛ فأين موقع الأميركيين الداعمين لما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، وأين موقع الإيرانيين من السياق؟ بل أين من المعادلة، النظام السوري وهو الذي يتحدث، ليلا نهارا، عن السيادة وعن دوره في تحرير الرقة؟

في خضم هذه التطورات، بدا لافتا أن الأميركيين ألقوا بالأكراد في المأزق بعد أن استخدموهم حتى استنفدوا أغراضهم. ولم يُستثن من هذا الاستخدام، أي مكوّن كردي. وكان قادة الشعب الكردي المسلم، قد استأنسوا بالأميركيين، وجعلوا إسرائيل مفتاحهم إلى المستقبل، حتى رفع الأغرار والمضللون أعلام دولة الاحتلال خفاقة، ثم عندما دنت ساعة الحقيقة، أتاحت واشنطن للإيرانيين الإجهاز على حلم مسعود البارزاني في ليلة واحدة، عندما اجتاح الحشد الشعبي الموالي لهم مدينة كركوك وسيطر على حقول البترول، وهي المقوّم الاقتصادي المفترض، للدولة المستقلة التي يتوخاها الأكراد.

ستظل في عداد الأسرار، حقائق الممارسات والمواقف التي اكتنفت قيام داعش وحطامه. اليوم، بدأت مرحلة المحاصصات والمقايضات على وحدة الأراضي السورية، وكذلك مرحلة المحاصصة السياسية وعطايا النفوذ. بينما المراقبون حائرون، يفتشون عن عنصر الربط بين هذا كله، وانسحاب داعش وليس سحقه، أو طرده دون الاستمرار في مطاردة المطرودين حتى القبض عليهم أو إبادتهم.

…………………

العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى