اهم الاخباركتَـــــاب الموقع

أردوغان: رئيسا لتركيا مدى الحياة؟

عمر أبو القاسم الككلي

التيارات الشعبوية والغوغائية، يمينية كانت أو يسارية، تحتاج إلى زعماء، وليس إلى مجرد قادة.
ذلك أن الزعيم يمثل “شخصية ملهمة” تخاطب الوجدان الشعبي العام وتدغدغ آماله الخائبة وأحلامه المحبطة. إنه شخصية ذات “رسالة تاريخية” و “مهمة نبيلة”. هو شبه نبي، وقد يعتقد النبوة في نفسه وتمنعه الثقافة العامة للمجتمع وثقافة العصر من التصريح بذلك. [يكفي أن نشير هنا إلى إطلاق معمر القذافي اسم “الطلقاء” على السجناء الساسيين عند إطلاق سراحهم يوم 3. 3. 1988، وإنشائه مؤسسة “الرفاق” المتكونة من معارفه الشخصيين، أي على غرار الصحابة]. الزعيم شخصية تمتلك كارزما مؤثرة على الجماهير. وحتى لو لم تكن تمتلكها فإن الجماهير تتوهمها فيه وتسبغها عليه، وبذلك يستدخلها هو في نفسه. ولكي يحافظ الزعيم على زعامته لا بد له أن يخلق عداوات داخلية وخارجية ليعبيء على أساس بُعْبُعِها شعبيته الداعمة. هو غالبا يعد بحل المشاكل دون أن يحلها فعلا. بل قد يعمل على مضاعتها وتقويتها. لأن انتفاء المشاكل، أو تقليصها إلى الحد الأدنى، يبطل الحاجة إليه أو يقلل من أهميته. الزعيم يجد في الاحتقان الداخلي والضغط الخارجي مجالا خصبا لازدهار زعامته.
أما القائد فهو مجرد شخص وصل إلى الصدارة عبر مسيرة من العمل السياسي وانبرى لتحمل المسؤولية. في الأحزاب ذات البنية الديموقراطية هو مجرد “منسق”.
يحضرني هنا رأي لصحفي مصري يفرق فيه بين السادات وحسني مبارك. فوصف السادات بأنه كان يعتبر نفسه زعيما، أما حسني مبارك فينظر إلى نفسه على أنه موظف في منصب رئيس جمهورية!.
في مقاله “بائع بطيخ وحكاية زعيم” (الوسط 23. 4. 2017)، وفي سياق تناوله لنتائج الاستفتاء الذي جرى مؤخرا في تركيا بشأن التعديلات الدستورية المتعلقة بصلاحيات الرئيس، يقول سالم العوكلي أنه في العقود العديدة بعد أتاتورك:
“”لم يرتبط اسم أحد باسم الدولة، إلى أن جاء أردوجان الذي سعى لأن يكون زعيما مقابلا لأتاتورك في الاتجاه المعاكس، عبر ثورة ناعمة تعيد تركيا إلى الهيمنة على مجال خلافتها السابق، وأصبح توصيف “تركيا أردوجان” متداولا كثيرا في الأدبيات السياسية، وبدأ سعيه من الانتقال إلى دائرة الحاكم المدني الموظف إلى دائرة الزعيم على أشده، فهو لا يطمح لأن يكون رئيساً في دولة ديمقراطية ولكنه يحلم بالزعامة.”.
لقد استطاع أردوغان تمرير “إصلاحاته” بأغلبية حوالي 51.5%، وهي أغلبية ضئيلة جدا، ما يعني أن مدي المعارضة متسع كثيرا، يشمل المعارضين لهذه التعديلات من حيث المبدأ والذين يعترضون على شخص أردوغان ذاته وليس على التعديلات.
ولعل أبرز التعديلات المستحدثة التي تضع أكثر مقاليد السلطة متانة في يد أردوغان هي إلغاء منصب رئيس الوزراء وتولي الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، بما يتناسب مع الدستور. وعدم قطع الرئيس صلته التنظيمية بالحزب الذي ينتمي إليه وزيادة فترة الولاية الرئاسية إلى خمس سنوات بدلا من أربع، على ألا يتولى نفس الرئيس أكثر من دورتين، وتوليه قيادة الجيش، وتعيين نوابه والوزراء وإقالتهم، وإعلان حالة الطواريء التي تبدأ من ستة أشهر بدلا من ثلاثة، والتدخل المباشر في القضاء من خلال اختيار أربعة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين الذي يتولى التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يعين البرلمان سبعة أعضاء.
الجدير بالذكر أن التعديلات الدستورية الجديدة لم تنشيء وضعا سياسيا جديدا في تركيا* بقدر ما قامت بشرعنة وتقنين حالة سياسية قائمة بالفعل تشهد عليها ممارسة أردوغان للاختصاصات والصلاحيات الكاملة لرئيس قوي تحت مظلة نظام رئاسي منذ انتخابه رئيسا سنة 2014.
على الأغلب سيتمكن أردوغان، من خلال الإبقاء على علاقته بحزبه – حزب العدالة والتنمية المعروف بأخوانيته- وبقائه في سدة الرئاسة عشر سنوات، إذا فاز في انتخابات 2019وانتخابات 2024(ويبدو أن هذا ما يراهن عليه)، من تمكين الحزب من السيطرة على مفاصل الدولة ومقاليدها، وقد تسمح له الظروف بطلب إعلانه رئيسا مدى الحياة ويستطيع تحقيق ذلك. إذ من غير المقنع أن أردوغان سعى إلى الحصول على هذه الصلاحيات الواسعة من أجل أن يتمتع بها رئيس آخر بعد نفاد ولايته.. رئيس قد يكون في الجانب المعارض ويهدم ما بناه. إنه على الأقل يطمح إلى أن يكون خلفه من حزب العدالة والتنمية.
ثمة توقعات بأن المعارضة الواسعة بالداخل التي تمثل أكثر من 48% قد تقاوم مساعي أردوغان الاستبدادية ما يرفع درجة التوتر والاحتقان الداخليين. أما خارجيا فقد يكون أردوغان قد أغلق على باب الانضمام إلى أوروبا، الذي لم يُفتح، وستعيد أوروبا (خصوصا بعد إعلان أردوغان العودة إلى العمل بقانون الإعدام المحرم أوربيا) فتح ملف أوضاع حقوق الإنسان بتركيا الذي أقفل سنة 2004.
إن الوضع الجديد “يضع ألغاما جديدة في طريق أردوغان”** مثلما صرح كمال أُكيويان الأمين العام للحزب الشيوعي التركي.
لكن لعل أردوغان يرحب بهذه الألغام لأنه يرى في وجودها ذريعة لحشد تأييد جماهيري أكبر!

* بشير عبد الفتاح، تركيا: تعديلات دستورية تؤسس لجمهورية أردوغانية،مجلة الديمقراطية، الصادرة عن مؤسسة الأهرام، ع 66، أبريل 2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى