أخبار ليبياخاص 218

أحمد يوسف عقيلة: التراث الشعبي مفتاح الشخصية الليبية

خاص 218| خلود الفلاح

أحمد يوسف عقيلة باحث في التراث الليبي. يرى أن جمع أمثالنا الشعبية الليبية يحتاج إلى مؤسسة تهتم بهذا الجانب الذي يعتبره بمثابة التاريخ الحقيقي للشعوب، ومع ذلك يحاول أن يقوم بهذه المهمة الصعبة كمهتم وباحث.

في كتابه “خراريف ليبية” كانت مهمته أشبه بسباق مع الموت وهو يحاول جمع أكبر قدر من الحكايات الشعبية قبل رحيل الرواة أي حُفّاظ الذاكرة.

في كتابه (غناوة العلم عند المرأة) لم يكن يسعى إلى نوع من التمييز العنصري في الاهتمام بين الرجل والمرأة حيث الأمر ما هو إلا تصنيف فني، غايته إبراز إضافة المرأة في هذا اللون الشعري، أو علامتها الفارقة عندما تتغنى بالعلم.

يؤمن أحمد يوسف عقيلة أن علاقتنا بالأماكن التي وُلِدنا فيها أو عشنا فيها لفترة طويلة لا يحكمها المنطق بقدر ما تخضع للعاطفة. المكان الذي يراه بعض (العابرين) مملاً هو عند أهله قطعة من وجدانهم. ملعب طفولتهم وملتقى أحبّائهم، ويضيف: أحس بأنني جزء من هذا (السفرتح) يطيب لي أحياناً أن أخلع نعليّ وأمشي حافياً لأشعر بملمس المكان. العابرون ينظرون إلى أماكننا بعيونهم. ونحن ننظر إليها بقلوبنا.

يكتب القصة القصيرة جدا وله فيها عدة إصدارات أذكر منها: الخيول البيض ـ غناء الصراصيرـ عناكب الزوايا العُلياـ الحرباء.

ـ ما الذي دفعك للاهتمام بجمع التراث الشعبي الليبي؟

ـــ لا نريد أن نكون شعباً بلا ذاكرة. فالتراث الشعبي جزء من التاريخ. التاريخ الحقيقي.
التراث الشعبي هو المُنجز الجماعي للناس. وهو انعكاس لحياتهم. وفلسفتهم وفهمهم للحياة وخلاصة تجاربهم. وهو مفتاح لفهم الشخصية الليبية. وجزء لا يمكن إغفاله من الثقافة.

ـ كتاب قاموس الأمثال الليبية، ما هي الصعوبات التي واجهتك في تجميعه؟ وهل تعتقد أن هناك المزيد من الأمثال التي تروى شفاهيا وتحتاج للتدوين؟

ـــ الصعوبة الأولى كانت في محاولة الإحاطة بهذا الكم الهائل من الأمثال والتعابير الشعبية.. لكن الصعوبة الحقيقية هي الحصول على النص الأصلي للمثل. لأن الكثير من الأمثال تُروى الآن بروايات أخرى. وكانت إحدى مشاغلي ـــ بعد التوثيق ـــ هي إعادة المثل إلى روايته الأصلية.. فمثلاً الناس يقولون الآن:(الطعمة للزبدة والشكيرة للترفاس). بينما الرواية الأصلية: (الطعمة للزبدة والشكر للترفاس). والأمثلة كثيرة. ما زلت حتى الآن أسمع أمثالاً شعبية لأول مرة. فلاتزال عملية التوثيق مستمرة.

ـ هل ما زالت غناوة العلم موروثاً ثقافياً حياً ومتجدداً برأيك؟

ـــ نعم.. غناوة العلم موروث متجدد. لايزال يُنجز. وتشارك فيه الأجيال الحالية تراكمه. تضيف إليه وتطوّره. غناوة العلم ستبقى بسبب شكلها المختزل. وتكثيف دلالتها. وسهولة أدائها. هي الآن أكثر انتشاراً بسبب وسائل الاتصال الحديثة.

ـ ماذا عن الحكايات الشعبية؟ وكيف تطور الاستماع الشفاهي إلى إنجاز كتاب “خراريف ليبية”؟

ـــ الحكايات الشعبية (الخراريف) هي فن القَصّ الشعبي. لكن توارثها شفاهياً مهدد.
فالرواة يرحلون. وتبقى الحكايات مبتورة أحياناً. أو تتغير روايتها. وأعني بذلك تضعف الرواية ويتخلخل السرد. فكان لا بد من جمعها قبل اندثارها. وكنت في سباق مع الموت. أحاول جمع أكبر قدر ممكن من الحكايات قبل رحيل الرواة. فالرواة هم حُفّاظ الذاكرة.

ـ ماذا عن السير الشعبية وهي إحدى أبرز السير الشفاهية في تراثنا العربي. ما هي السير الشعبية الأبرز في تراثنا الليبية؟

ـــ لعل السيرة الهلالية هي الأبرز. وقد قام الدكتور على برهانة بجمعها في كتاب. وقد جمع رواياتها من الجنوب والغرب والشرق الليبي. أي بلهجات مختلفة. وهناك تجريدة حبيب. وإن كانت أقل تداولاً. وأقل توثيقاً.

ـ كيف تم تصوير المرأة في أمثالنا الشعبية؟

ـــ هناك الكثير من الأمثال والتعابير الشعبية التي تَشِي بوضع المرأة: (البنات سلعة ذِلّ)، و(اللي عنده البنات.. عنده الْهَمّ بالحَفْنات)، و(كَيْد النّسا كَيْدَين). لكن هذا الوضع لا يُمكن تَعميمه. فهناك أمثال تحتفي بالمرأة: (اللي يسْعِدْها زمانها.. اتْجِيْب بنَاتّا قَبل صبْيانها)، و(أَبّ البنات مَرْزُوْق)، و(الولِيّة كَيْ شَمْس الشّتا).

ـ هل تراثنا يواجه تحدياً في عصر الانفتاح على التكنولوجيا الرقمية؟

ـــ التكنولوجيا الرقمية يُفترَض أن نوظفها في خدمة التراث. في التوثيق والنشر وتقديم التراث للأجيال الحالية والقادمة بأسلوب يتناسب مع عصرهم وأدواتهم. للأسف برامج التراث في الإذاعات والقنوات لاتزال تقدمه بطريفة ساذجة. وتُضفي عليه حالة أشبه بالقداسة. بينما هو نتاج بشري لا قداسة له. ويحتاج إلى نقد وغربلة.

ـ هل هناك خيط رفيع بين غناوة العلم وقصيدة النثر؟

ـــ لا أرى ذلك. هي قصيدة ومضة قبل أن يعرفها شعراء الفصحى ويمكن كتابتها هكذا:
بكّوها وجوه الفجر..
لا هناك دوج..
لا وين تلتجي.
أو:
عليك خاطري مليان..
نصيب غيظ..
والباقي غلا.

ـ في كتابك “غناوة العلم عند المرأة” هناك مساحة من الشجن تمارسه النساء عند دوران الرحى. هل كان للمرأة دور فاعل من خلال بحثك في أغاني العلم الليبية؟ ولماذا كان عند دوران الرحى تبدأ الحكاية؟

ـــ الغناء على الرحى براح للمرأة. وفيه الكثير من التورية والرموز. فهي تسرّب مكابيتها من خلال ذلك. وهي تفعل ذلك علناً. على الملأ. وتجد من ينصت لها. فهي تقول أثناء ذلك ما لا يمكن أن يُقال صراحة.

وهذه إحدى وظائف الفن. البُعد عن المباشرة. تقول إحدى الغناوي: (لِيْد ما اتْجِي للنار.. محا ذنُوبْها ضَيْم الرّحَى). هي في الواقع لا تشكو من ضيم الرحى بل في معنى: (العَيْن ما اتْجِي للنار.. محا ذنُوبْها ضَيْم الغَلا). فشكواها من ضيم الغلا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى