كتَـــــاب الموقع

أبطال الهجرة الليبية.. بـلا عودة

آلاء الفرجاني

مـا الذي يدفعنا لترك أوطننا، والتخلي عن مكان ترعرعنا فيه، ما الذي يدفع شبابًا في أوج عمرهم للهجرة على متن قارب، مُتخلّين عن كل ما يربطهم بهويتهم الأصلية، طمعا بالوصول إلى شواطئ أوروبا.

الحكاية ليست بجديدة، لكن مؤخرًا زادت نسبة المهاجرين، حتى تحولت ليبيا إلى مرفأ لتصدير قوارب الموت.

إن الوطن قاسٍ. لا يُشكّلُ للبعض إلا عُشّا واهٍ يتحتم عليهم مغادرته حال نمو أجنحتهم وقدرتهم على التحليق بعيدا عنه؛ إلا أن البعض يحاول جاهدا إصلاحه، آملا في التغيير، لكنه يقرُّ بكل يأس، وبعد كدّ، بأنَّ مهمة كهذه تتطلب همة أمة كاملة، لا مجموعة شباب حالمين. ولأنه ليس للشباب غير أحلامهم فقد عزموا على تحقيقها؛ لكن على أرض ربما تحقق طموحاتهم، وتدعم إمكانية حصولهم على نتَاج لكفاحهم اللامحدود.

 

ربما كان هذا سببا دافعا لمخاطرتهم عبر قوارب الهجرة في رحلة محفوفة بالمخاطر قد تودي بحياتهم وتغرقهم بأحلامهم قبل وصولهم حتى إلى الشواطئ الأوروبية، وعلى الرغم من تحطم القوارب في أحيان كثيرة، ومناظر الأجساد الطافية للمهاجرين بعد مغالبة الموج العاتي، فإن حركة الهجرة الليبية ازدادت مؤخرًا، والغالبية العُظمى من الشباب.

ربما تكون الهجرة عبر هذه القوارب السبيل الوحيد لمن أراد معيشة ميسورة الحال؛ بعد أن فشلوا تماما في مواجهة ضراوة هذه الحياة في بلادهم؛ معتقدين أن الوصول لملاذهم الجديد يحقق أحلامهم، حتى لو كانت الطريقة غير مشروعة، وخطرة أيضا.

إن صديقنا المُخرج وصانع الأفلام الشاب أحمد عبد العزيز الزروق، كان أحد الذين وجدوا من الهجرة سبيلا نحو الخلاص، وخلال حديثي معه لسؤاله عن دوافع هذه الرحلة الخطرة، وتفاصيلها، أجابني: الأمر نفسيّ وإنساني بحت، الحرب في سرت على وشك أن تندلع في أي لحظة، الوضع الأمني صعب جدا، كانت القبضة الأمنية في سرت قوية، فبعد داعش، تولت المليشيات السيطرة على المنطقة، كان هنالك قمع، تكميم، وأحيانًا كثيرة وصل الأمر للخطف “تعرض أحمد للخطف من قبل إحدى الكتائب المُسيطرة في سرت، بحجة تنظيمه لمهرجان في رمضان!”

اعتقال “منظم” مهرجان “سرت” العائلي

وفي المقابل كانت لدي رغبة عارمة في تقديم المزيد من الأفلام التي تحاكي واقعي، دون زيف أو تضليل.

وتابع قائلاً: أنا كصانع أفلام، أرى أن مهمتي الحقيقية هي إيصال صوت الناس، طرح المواضيع التي تتعلق بالشعب، وتُحاكي نوائبهم وتطرح مشاكلهم، أردت أن أجسد هذه القضايا من خلال أفلامي.. “الأفلام هي اللي تطرح هذا الشي، وناس واجد ما تبيش الشي هذا ينطرح”

أردف أحمد.. العمر قاعد يمر بدون أي جدوى!

إلى جانب ذلك.. لطالما عانى أحمد من تداعيات التعليم وحصره قائلا: (إنه لم يبلغ سوى الحد الأدنى من المعرفة التي كان من الممكن أن يتحصل عليها من الكلية التي درس بها إلى جانب الإنترنت، وأدرك أن هناك الكثير مما يتحتم عليه تعلمه فيما يخص الأفلام والإخراج؛ وأضاف “كان لازم عليا نتقدم ونأخذ خطوة حقيقية وندرس السينما.. “أنا نطمح للالتحاق بالركب السينمائي في أوروبا”.

أحمد شاب من بين الكثيرين الذين هاجروا في تلك الرحلة التي انطلقت من سرت مرورًا بالصحراء، وصولا لطرابلس، في رحلة بلغت مسافتها حوالي ألف كيلو متر واستغرقت 12 ساعة كاملة.

بدأت الرحلة المصيرية من ميناء طرابلس، عندما أداروا ظهورهم لليبيا، راكبين أحد القوارب، تاركين المياه الإقليمية خلفهم، وفي طريقهم إلى الضفة الأوروبية، يقول أحمد: خلال الرحلة، تزاحم في رأسي الكثير من الأفكار.. “الرحلة أساسها ما كانتش رحلة عبر قارب؛ كانت رحلة تفكير.. إنك تنسف كل حياتك السابقة وتترك كل شي خلفك، أبدا مش أمر هين، أعتقد أننا بحاجة لأسباب وتبريرات أقوى وأقسى، عشان نبرروا الهجرة”

وتابع: “أنا نسعى لأني نقعد نكون صوت الناس عن طريق أفلامي، أفلامي اللي تصور حياتهم عن كثب”

إن صديقنا صانع الأفلام والمخرج “أحمد عبد العزيز الزروق” موجود حاليا على الأراضي الإيطالية، ويخضع للحجر الصحي.

في المقابل، باتت الهجرة حُلمًا وفكرة واردة تقفز في أذهان الغالبية العُظمى من الشباب، الذين تفتحت أعينهم على حروب ودمار، وأصبحت هذه الخطوة الأولى التي لا بد منها نحو تحقيق رغبات وأحلام من كبح وحش اليأس طموحاتهم وافترسها، حتى وصلوا لقناعة تامة بأن كل فعل في هذا الوطن مصيره الفناء والتبدد.

إذاً، هل المعيشة في ليبيا حقا معيشة ضنك؟ وتحتم مغادرتها على ساكنيها فور تعلمهم التحليق أو القفز هروبا، وبعيدا عنها؟

وإن كانت كذلك فمن المسؤول عن ردم هذه الفجوات في نفوس قاطنيها ورتق أحلامهم الممزقة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى