أخبار ليبياخاص 218

محمد المفتي في حوار مع “218” عن التاريخ الاجتماعي والقبيلة في ليبيا

خاص 218| خلود الفلاح

محمد محمد المفتي طبيب وباحث في مجال التاريخ الليبي الحديث، يرفض مسألة أن يكون للقبيلة دور سياسي في ليبيا، ومع ذلك لا يمكن إغفال دورها في تسوية المشاكل الاجتماعية.

وفي حوار مع “218”، يقول الدكتور محمد المفتي إن هناك علاقة غير مباشرة بين الطب والكتابة، اهتم في كتاباته بتقديم رؤية تتعمق في التاريخ الاجتماعي والتاريخ الليبي بعين المكتشف والمؤرخ من خلال عدة مؤلفات نذكر منها: “هدرزة في السوق”، “الأيام الطرابلسية”، “هدرزة في بنغازي”، و”هذا الوطن الذي يسكننا”.

ويصف الدكتور محمد محمد المفتي التاريخ الاجتماعي بأنه الأكثر صدقًا، إذا أردنا فهم ما حدث ويحدث بالنسبة لتأسيس المجتمعات من التاريخ السياسي، الذي قد يكون عرضه للتحيز والتغيير.

البداية:

– تنطلق في كتاباتك من الاهتمام بالبحث في النسيج الاجتماعي والتاريخي الليبي. لماذا؟

· التاريخ التقليدي هو تاريخ سياسي، وعادة يكتبه المنتصرون كما يقال وهو عرضة للتحيز. لكن سمات أي مجتمع وتطوراته في الواقع مستمدة من كل التحولات التي يمر بها المجتمع. مثلاً حركة الأسواق، نوعية السلع المستوردة، الأوبئة التي كانت تقضي على قرى أو مدن.

اكتشاف النفط في ليبيا كانت له آثار ديموغرافية هائلة كما في نزوح أهل الدواخل إلى المدن. بمعنى أن تطور المجتمعات ليس فقط نتيجة للأحداث السياسية. بل عناصر أخرى كثيرة قد تكون أعمق أثرا. دعيني أضرب مثلاً:

تاريخيًا، اكتشف الصينيون البارود ربما في القرن العاشر الميلادي. واستخدموه لصنع الألعاب النارية. عند وصول البارود إلى أوروبا، كان العلماء وأبرزهم جاليليو قد اكتشفوا قوانين حركة المقذوفات. وسرعان ما اخترع المدفع، وخاصة مدفع الهاون الذي يطلق كرات الرصاص إلى أعلى بزاوية. ماذا كانت النتيجة؟ أمسى من الممكن رمي كرات المدافع فوق أسوار القلاع حيث يقيم الحكام. البارود ألغى عمليًا دور الأسوار والقلاع، وأضعف الحكام وأخرج أوروبا من العصور الوسطى. مادة كيماوية لا نعرف حتى من ركبها غيرت توازن القوى في المجتمعات الأوروبية بل والعالم.

التاريخ الاجتماعي يلتقط التطورات غير السياسية، وهو أكثر صدقًا. تَطّور المجتمع يأتي من المخترعات المستمدة من العلم. صراعات الدول والحروب ليست إلا جزءًا من تطور البشرية. أنظري ماذا فعل اختراع المحرك البخاري، أو التلغراف أو الراديو والتلفزيون والسيارة والطائرة والكمبيوتر. آلاف الاختراعات غيرت رؤية البشر لأنفسهم وللآخرين والبيئة والكون. في سنة 1882، احتلت بريطانيا مصر، وفي السنة ذاتها اكتشف الطبيب الألماني جرثومة السل (الدرن) ومن ثم التطعيم ضد المرض. أي الحدثين كان أوسع تأثيرًا وأهمية؟

– هل فهم التاريخ يشكل مسألة ضرورية في فهم ما يحدث في ليبيا اليوم؟

· التاريخ الاجتماعي يصف لكنه لا يسعى بالضرورة إلى التحليل والتنبؤ. لكن الفهم التاريخي قد يعطينا حلولاً، بعيدًا عن الصخب السياسي وما ينطوي عليه من رؤى مصلحية أو جهوية. نستطيع مثلاً أن نستقصي كمية السلاح المنتشر وعدد الشباب العاطلين عن العمل وأن نربط ذلك بمعدلات العنف. لكن لا أحد حاول دراسة ما حدث عندنا بعد ثورة فبراير. كان جديرًا بنا إنفاق ما صرف على السلاح وعلى الجرحى، فيما يخدم برامج إعادة تأهيل.

في العام 2011، قدمت مقترحًا بعنوان مشروع العرفــان يمنح كل ثائر عائد من الجبهة قطعة أرض وقرض مالي وشتى الميزات لمساعدتهم في استئناف الحياة الطبيعية. لكن لا أحد أنصت.

إن علينا، باستمرار، أن نتأمل مجتمعنا وما طرأ عليه من تحولات، لكي نتعامل مع ما يستجد من مشاكل بموضوعية. التاريخ ليس فقط سردًا لأحداث الماضي.

– ما هو شكل الديمقراطية التي تحتاجها ليبيا؟

· للديموقراطية شكل واحد: إدارة البلاد سياسيًا من خلال مجلس منتخب بالاقتراع السري والتداول السلمي للسلطة.. إدارة الدولة والموارد، يتفق العالم الآن على نوع من اللامركزية.. فيدرالية، ولايات، محافظات.. حسب تعداد السكان ومساحة البلاد ومواردها.

– ماذا عـن الهوية الوطنية الليبية التي شغلتك كثيرًا؟

· الهوية الوطنية محصلة عوامل كثيرة: موقع البلاد، تاريخها، معتقدها، لغتها، موسيقاها.. وغيرها. الهوية إحساس بالانتماء إلى جماعة تشترك معهم في كل هذه السمات. الليبي يختلف عن المصري في لهجته ولباسه وطعامه.

الليبي يختلف عن الإيطالي في لغته وغيرها من السمات لكن حقبة الاستعمار الإيطالي تركت درجة عالية من التأثير الثقافي، أبسطها أكل المكرونة واستخدام الطماطم كأساس الطعام الليبي.

من ناحية أخرى حتى بعد 80 سنة من خروج الإيطاليين؛ ما تزال علاقتنا بإيطاليا ذات خصوصية وهي الشريك التجاري الأول لليبيا. لا يلتفت الكُتاب عادة لهذه التفاصيل، ويركزون على الأبعاد السياسية للهوية، كالحماس ورفع شعارات جهوية ضيقة.

وقد قدمت للمكتبة الليبية عدة كتب في التاريخ الاجتماعي الليبي مثل “هدرزة في بنغازي” و”سهاري درنة” و”الأيام الطرابلسية”، وكتاب “هذا الوطن الذي يسكننا”. ولي تحت الطبع “مواهيم الجبل” عن التاريخ الاجتماعي للجبل الأخضر.

– هل تعتقد أن أي انتخابات في ظل ظروفنا الحالية ممكنة؟

· لم لا. الفوضى عندنا مصدرها المسلحون وليس الناس. الليبيون يقفون في طوابير الخبز والغاز في هدوء. الورفلي، العبيدي، الهوني، الجنزوري.. ما الذي يمنع اصطفافهم في طابور التصويت في انتخابات. المهم استبعاد السلاح العشوائي.

– هل تعتقد أن اتساع نطاق الجغرافيا الليبية وغياب مؤسسات فاعلة كان السبب لتلعب القبيلة دورًا مهمًا؟

· أنا لا أؤمن بأن هناك قبائل مؤثرة سياسيًا. نعم هناك أشخاص أو جماعات يدّعون تمثيل قبائل، لكن في الواقع لخدمة مصالحهم الخاصة. الروح القبلية موجودة في بعض المراسم الاجتماعية كالأفراح والمآتم وتسوية الاعتداءات والثأر. دعينا نُعرّف القبيلة.

القبيلة منظومة دفاعية في المجتمع الرعوي، حيث تكون ملكية الأرض ومصادر الماء ملكية جماعية، وتستند علاقة الجماعة في هذه الحالات إلى موروث يقول إنهم ينحدرون من جدٍّ مشترك؛ لذلك نجد القبلية بهذا المعني بين الرحل كما في الجفارة والجبل الأخضر. لكننا لا نجد القبيلة عند سكان قرى الساحل الشمالي.

85% من سكان ليبيا الآن يعيشون في بيئات حضرية، في المدن والقرى.

– ما هي العلاقة بين الطب كمجال يبحث في الماديات وعالم الكتابة؟

· علاقة غير مباشرة. ممارسة الطب قائمة على المشاهدة ومن ثمّ التشخيص والعلاج. الطب يمنحك فرصة لمراقبة الناس وسلوكهم. لهذا نجد عبر التاريخ أطـبــاء مارسوا كتابة الشعر والروايات أمثال “سومرست موم”، و”كانون دويل” مخترع المحقق “شارلوك هولمز”. وعندنا في الأدب العربي أمثلة كثيرة مثل “يوسف إدريس” إلى “علاء الأسواني”. وعبر العصور خاض أطباء في التأملات النفسية والفلسفية، أمثال “فرويد” مثلاً، و”كونراد لورينز” مؤسس علم النفس التطوري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى