اخترنا لككتَـــــاب الموقع

متابـعــة نـقــاش: متى تلقي عصاك يا سـيد سلامة؟

محمد المـفـتي

لا أحد ينكر أن الأمم المتحدة أسِــست على قدر كبير من حسن الظن والنوايا النبـيــلة. لكن تاريخ البشرية يؤكد أن الصراعات السياسية تنطوي أيضا على قدر كبير من الخداع والمصالح والعناد. وللأزمة الليـبـية مثل كثير من الأزمات عنصران هما انتشار السلاح، وغياب الثقة بين الأطراف الليبية، وأيضا كثير من سوء الفهم.

******************

مبكرا يبدو أن بعض الدول الكبرى أخطأت في قراءة المشهد الليبي، فالناتو قصف وأسقط وترك. ولمن نسي، أذكره بأن ساسة إيطاليا بناء على قراءاتهم في أدبيات حقبـتـهم الاستعمارية، طرحوا في الشهور الأولى لفبراير تصورا عجيبا مؤداه أن الصراع في ليبيا صراع قبلي، ودعوا فعلا “لمؤتمر للقبائل الليبية” في روما لم يجتمع لحسن الحظ. والأمم المتحدة عندما قررت التدخل، رأت أن المخرج لا يكون إلا ببناء ديموقراطية بمؤسسات شكلية، وانتخابات ودستور، وهكذا كانت مسودة الصخيرات “توافقا” غير قابل للتطبيق، بينما توقف الدستور في حلق هيئـته المنتخبة التي كان من المفروض معينة.

الليبيون أنفسهم تــوهـمـوا هذا التصور مبكرا حين أجرى الانتقالي انتخابات وسط تفاؤل مهرجاني، وتم تسليم السلطة للمؤتمر العام. كان تفاؤلا في غير محله لأنه تجاهل ما يوسوس به السلاح في عقول من يحملونه. وجاءت انتخابات البرلمان بنتائج لم ترضاها بعض التشكيلات المسلحة فكانت حرب فجر ليبيا للسيطرة على العاصمة وعمليا تقسيم البلاد بين شرق ببرلمان في طبرق وغرب بمؤتمر في طرابلس.

******************

وهكذا استحكمت الخلافات والشكوك. وبدا غول الحرب الأهلية وتعقدت الأمور أكثر بظهور تنظيم الدولة والهجرة غير الشرعية. وبدلا من الالتفات لحمى السلاح تركز الجدل على شرعية هذا وصحة هذا التمديد أو هذه المادة أو تلك. وهنا دخلت الأمم المتحدة على الخط. لم تحاول رأب الصدع وإنما عكفت على تصحيح اللغة وهكذا قضينا شهورا من الحوارات في شتى الفنادق والعواصم ـ وليعذرني من شارك ـ شئ أشبه بفرق التمثيليات المدرسية بقيادة ليون ثم كوبلر.

****************

ربما من تراث الأمم المتحدة ألا تعترف بأخطائهـا، لكنها تمتلك مرونة. ونحن بحاجة إلى مقاربة جديدة، وأولا وأخيرا بهدف زرع الثقة وتـقـنـين السلاح بضمانات دولية. لا أحد سيسلم سلاحه طوعا ودون ضمانات ، فما الذي يمنع أن تبقى مجموعة كذا في مدينتها. فإن هي أرضت الناس سلِـمت وإن تجاوزت حرمت أهلها من كل عـون. والزمن كفـيل بتهدئة النفوس واكتشاف عبث المواقف السابقة.

وحتى ساسة العنف عندما يشيخون يدركون سخف ما كانوا يدعون إليه. فلماذا تبقى صناديق الشكوك مغلقة ولماذا نتردد في معالجة عدم الثقة السائد. وفي فسحة من هذا الضجيج الدموي ونهب الأرزاق لماذا لا تكلف حكومة تعيد بناء الدولة باقتصادها وجيشها وشرطتها وقضائها .. ويوما ما بمؤسساتها التشريعية ؟ .. هذا هو جدول الأولويات الحقيقي .. أما غير ذلك فمجرد مقامرة معروفة العواقب ، لا تجدي!

ويبقى السؤال: متى تلقي عصاك يا سـيد سلامة لتـلـقـف ما يأفــكون؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى