أخبار ليبيا

سفير بريطانيا: اعتقدت لوهلة أن ليبيا قادرة على التصالح مع نفسها

ترجمة: فرج عبدالسلام وسارة غرايبة

ننشر هنا  –  ضمن سلسلة بدأناها – شهادة السفير البريطاني الاسبق في ليبيا السير دومينيك إسكويث الذي تسلم مهامه في نوفمبر 2011 مباشرة عقب انتهاء حرب التحرير الليبية. وقد ادلى إسكويث بشهادته امام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني وذلك ضمن مراجعات المجلس لسياسة بلاده في ليبيا كما هو التقليد في البلدان العريقة ديمقراطيا ..مايرد في الشهادة طبعا يخص السفير واللجنة وقد التزمنا بنقل ما قيل من اسئلة وردود كما هي …
 

لجنة الشؤون الخارجية: السيد بارون (الرئيس)، آن كلايد، مايك غايبس، ستيفن غيثنس، مارك هندريك، آدم هولواي، دانيال كوازنسكي، ياسمين قريشي، أندرو روزنديل، نظيم زهاوي.

الشاهد: السير دومينيك إسكويث ، سفير بريطانيا السابق في ليبيا ورئيس المجلس التجاري البريطاني الليبي.

سؤال 87 الرئيس: أهلا بك في جلسة اللجنة الثانية في تحقيقاتنا حول "ليبيا: فحص التدخل، وأسباب الانهيار، وخيارات، وخيارات السياسة الخارجية البريطانية" وباعتبارك سفيرا للمملكة المتحدة بعيد الحرب الأهلية في 2011، كنت في موقع يمكنك من رؤية محاولا إعادة الإعمار، وباعتبار مركزك الحالي كرئيس للمجلس التجاري البريطاني الليبي، فما تزال في موقع يمكنك من إبداء رأيك حول ما يجري حاليا في البلاد والمحاولات المتواصلة لتشكيل حكومة وفاق طني، ونحن نتطلع إلى ما تود قوله في هذا الشأن.

سؤال 88 الرئيس: لن نكون مخطئين إذا ما قلنا أن الأمور لم تسر كما ينبغي فيما يتعلق بتدخلنا في ليبيا. شاهدنا حربا أهلية شعواء، ونشاهد معاناة الناس أنفسهم. بينما الجهاديون وغيرهم من الإرهابيين يستغلون الموقف. وحتى أننا رأينا الحكومة (البرلمان) المنتخب ديمقراطيا ــ حتى ولو كان عدد المشاركين 18% ـ يتخذ له ملجئا ويعقد جلساته في عبارة شحن يونانية خارج طبرق. ليست هذه بنهاية مثالية بأي نوع من الخيال.

أفاد شهود سابقون بانعدام التخطيط والفهم الصحيح للقوى الفاعلة على الأرض. وقد يفاجئُك أن هناك أعضاء من اللجنة، ومؤيدين كثيرا للخارجية البريطانية، يرون أن  التخفيض في ميزانيتها غير مناسب، لكن هناك قناعة عامة أن الخارجية كان فهمها قاصرا في هذه الحالة، وانعدمت لديها الخبرة والفهم لمآل الصراع الليبي؟ هل تعتقد بأنه كان هناك قصور في فهم الحالة الليبية، وللقوى على الأرض؟ وإلى أي مدى كان الفشل في التخطيط المفصل ناتجا عن عدم المعرفة؟

السفير: هذه أسئلة كبيرة، وسأحاول الإجابة قدر الإمكان.

    

  بالنسبة لقصور المعرفة، مع الأخذ بالاعتبار الماضي القريب ـ 40 عاما من حكم القذافي ـ أتخيلُ أنه كانت هناك صعوبة في فهم البلد بالنظر إلى حالة القمع والاستبداد، ومراقبة التحركات، وصعوبة التواصل مع الناس، وعليه فإن قاعدة البيانات المعرفية فيما يتعلق بالناس، والأشخاص الفاعلين، والتركيب القبلي ــ أي قاعدة البيانات الحديثة وليست المبنية على معرفة تاريخيةـ قد تكون أقل مما يجب.

     لقد واجهتُ هذا الأمر في العراق، ومن خلال خدمتي في الخارجية ــ هناك هذا الافتراض الذي يمكن تفهمه، بأن المعرفة الجيدة تُترجم مباشرة إلى تقييم وتخطيط دقيقين. هذا ليس صحيحا وعلينا القبول بهذه الحقيقة. في الأسبوع الماضي شاهدنا الكثير من التقييم والتوقعات لنتيجة الانتخابات (العمال) والتي أثبتت خطؤها . هذا العلم غير مثالي، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بمعطيات جديدة، كما في حالة ليبيا، من الخارج كما من الداخل. ـ فالناس لم يكونوا أبدا جزءا من المنظومة الحاكمة، وبالتالي كان يصعُب تقييمهم من قبل من سبقوني. نعم ، أوافق، أن هناك قصورا في المعرفة الشاملة لما يجري على الأرض في جميع المجالات. وهل سيكون أداؤنا أفضل لو كان لدينا معرفة أكثر؟ لا أعرف. ولستٌ متأكدا من هذه النظرية.

الجزء الثاني من سؤالك يتعلق بالتخطيط. ولابد أن أقدم لما سأقول بذكر نقطة مهمة. وهي أنني بدأت عملي في ليبيا في نوفمبر 2011، وكنت قبل ذلك في خضم ثورة أخرى في بلد مجاور، وبالتالي فقد استقيت معلوماتي حول ليبيا من أشخاص تحدثت إليهم قبل استلام مهمتي. وقد تشكل لدي انطباع قوي بوجود تخطيط معمق من قبل (شعبة الاستقرار) في حكومتنا، ومن الأمم المتحدة ، رغم أنه يجب الشك في حياديته بالنظر إلى النظام التي تجري مواجهته. بالفعل، وحتى في القاهرة التي كنت أعمل فيها، عقد مؤتمر كبير بإشراف الأمم المتحدة في النصف الثاني من يونيو 2011 وتطرق إلى نحو سبع نقاط يتم التركيز عليها في ليبيا بعد سقوط القذافي. وهذا يبيّن وجود تخطيط.

أعتقد أنه من الإنصاف القول أن أحد الدروس التي تعلمناها من العراق، أننا لا يجب أن نصل إلى مرحلة كنا نسميها في العراق (المرحلة الرابعة) أي مرحلة ما بعد النصر العسكري، من دون فهم مناسب للتحديات المقبلة، ونوع من المحاولة لوضع خطط للتعامل مع هذه التحديات. وسأكون سعيدا لاحقا لشرح برنامج العمل الطويل نسبيا الذي وجدته عندما استلمتُ منصبي. 

سؤال 89: سأعود بك إلى ما قلت حول التخطيط. أقررتَ بوجوده، ومع ذلك من المؤكد والواضح أن شهودا سابقين يؤكدون عدم وجود فهم لما يحدث على الأرض، وبالأخص لما سيحدث بعد الاستخدام الفعلي للقوة، فكيف تفسر هذا التناقض؟ إذا ما وُجد التخطيط، مع انعدام الفهم لمجريات الأمور على الأرض، فهذا مؤشر على أنه ربما لا توجد الخبرة المعمقة المطلوبة لمثل هذه العملية في الخارجية البريطانية.

      السفير: كان هناك جدل في الأوساط الرسمية والأكاديمية حول التداخل بين هذه العناصر: انعدام القدرة الطبيعي الناتج في بلد بعد أربعين عاما من حكم القذافي.، والعلاقة من مناطق جغرافية، وبين القبائل، وبدرجة أقل المد الديني، والإسلامي، والقضية الإثنية المتعلقة بالتبو والطوارق، وبعض الإرث التاريخي للفدرالية.

     كان هناك تصوّر لهذه التحديات، ولكن حسب رأيي، ما لم تكن فاعلا وعلى اتصال بما يجري على الأرض، فليس هناك ولا يمكن أن يكون فهمٌ مناسب لتأثير هذه التحديات فيما يخص تنفيذ أية خطط أو مشاريع رأيناها مناسبة، أو كيف نتصرف حيال المشاكل الحقيقة التي طرأت حينذاك، من قبيل: التداخل في الصلاحيات بين المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الانتقالية حيث ظهرت المسألة الدستورية الشائكة عندما ضمن الانتقالي لنفسه دستوريا السلطة العليا في البلاد، بينما حاولت السلطة التنفيذية القيام بعملها وتنفيذ السياسات. 

سؤال 90 الرئيس: سؤال لوجيستي. كم عدد طاقم السفارة؟

      السفير:  من 30 إلى 40 شخصا، وهناك موظفون من جهات مختلفة…الخارجية، ووزارة الدفاع، والتجارة والاستثمار، وهناك عدد من المقاولين، وشركة أمنية خاصة.

سؤال91 الرئيس: كان لبريطانيا 5 سفراء في ليبيا منذ 2010، ألا ترى أن هذا كثير؟

     السفير: نعم، وكان يمكنني البقاء أطول مما فعلت، ولكن لي أسبابي التي لن أشغل بها اللجنة. وأعتقد أنه كان علينا أخذ العبرة من العراق، فقد كنت آخر سفير لمدة عام في العراق، وأنا سعيد لأن خلَفي بقي لفترة أطول مني، وإذا ما أريد لسفير أن يعمل بكفاءة وكثافة كاملة فلابد أن يبقى لفترة أطول.

سؤال 94 الرئيس: فهمت من حديثك أنه لو كان تمويل الخارجية قد تم بصورة أكثر، لربما كانت لدينا صورة أكثر وضوحا حول عواقب تدخلنا. ما رأيك؟

    السفير: لا أختلف مع هذا الرأي، ولكن لا أريد أن يؤخذ انطباع أنه لهذا السبب لم يتحقق قيام الدولة في ليبيا كما كان مؤملا.

سؤال 93 آن كلايد: آخر مرة التقيتك فيها كانت في العراق، وأتساءل إن بإمكانك المقارنة بين التخطيط للعراق ولليبيا، وبالأخص بما أن إدارة التنمية الدولية تواجدت في ليبيا كما تواجدت في العراق، فهل كانت هناك صعوبة في تواجد إدارتين في كل من ليبيا والعراق؟ وكل كنتم على دراية بمسؤولياتكم، أم أن هناك تداخل إلى الدرجة التي لم تعودوا تفرقون بين الاثنين؟

    السفير: الفارق الرئيس بين العراق وليبيا أن الأخير سُلمت إلى الأمم المتحدة لإدارتها، بينما بقي العراق تحت الهيمنة الأميركية، وهو ما دعمناه. هذا القرار بإعطاء الأمم المتحدة اليد الطولى لتنسيق المساعدة الدولية جلب معه، حسب رأيي، بعض الصعوبات فيما يتعلق بوضع الإدارة اللبيبة، ومدى قدرتها على تحديد أسبقياتها ومدى حاجتها للمساعدة. أعتقد أنها كانت بحاجة إلى

   أما بالنسبة للتنسيق بين إدارات الحكومة المختلفة، فلم يتعلق الأمر بإدارة التنمية الدولية والخارجية فحسب، وإنما تعداه إلى مجال إدارة الأعمال، وإدارة التجارة والتنمية، ووزارة الدفاع، والمقاولين الأمنيين، وللأسف فجميعهم ممولون من قبل وزارة الدفاع، وإدارة التجارة والتنمية.

     وحسب رأيي لم يكن هناك منافسة على الأرض ـ على الأقل في عهدي ـ ولا يمكنني الحديث عن الفترة اللاحقة لي. وهنا في لندن، كانت هناك حدود فصل بين الإدارات المختلفة، ولكن على الأرض كان عملي هو لضمُ العناصر المختلفة معا، بحيث تكون العملية متناسقة، بحيث أن ما كنا نقوم به في منطقة معينة، مثل تقديم الإرشاد للشرطة، لا يتعارض مع ما يقوم به آخرون في بريطانيا، أو أن يتقاطع مع ما قد نقوم به في مسألة العدالة الانتقالية، أو متابعة المعتقلين وقضايا حقوق الإنسان. وهذه هي الطريقة التي كانت تدار بها السفارة تحت قيادتي: التأكد من وجود تعاون والحاجة لهذا التعاون تكون واضحة، وان يكون هناك وضوح تام بما يفعله الآخرون. وللإجابة على سؤالك فلم أشعر وأنا في موقعي بصعوبة في الاستفادة من خبرات الأطراف المختلفة ولا في ربطهم للعمل سوية.  

سؤال 94 ياسمين قريشي: عندما بدأت مهمتك في نوفمبر 2011، هل كنت متفائلا بمستقبل ليبيا؟

    السفير: نعم، فعدد السكان قليل، ولديهم الكثير من المال، ولا يوجد أي نزاع طائفي، والعداوة بين الأطراف المختلفة ليست كمثيلتها في العراق، وكان التركيز على القيام بشيء ما ــ تجنب نوع من الشلل ـ أقوى مما كان عليه في مصر بعد ثورتها، ولهذا كانت لدينا أسباب واضحة للتفاؤل. كما كان هناك أمل في أن تتطور حركة العمل والتجارة، وهناك أيضا، والفضل يعود لبريطانيا، حركة مجتمع مدني نشطة، أعطت الكثيرين أملا وسببا للشعور بالتفاؤل. 

    وأتذكر أنني لاحظت في إحدى رسائلي للوطن أنه بعد نحو خمس وثلاثين سنة من العمل في الشرق الأوسط اعتقدت لوهلة أنني رأيت في ليبيا ولأول مرة بلدا عرفت كيف تتصالح مع نفسها وأن تسامح. كان ذلك أمرا مؤكدا في نوفمبر وديسمبر: كان هناك مدٌّ قوي، والذي يمكن القول أنه استمر حتى الذكرى الأولى للثورة حيث كانت هناك الرغبة في السير قدما، لكن للأسف هناك الكثير من التحديات في الأفق… كان هذا هو الجانب المتفائل، ومع ذلك لم نكن بسيطين وأغرار. كنا نعرف أن مصدر التحدي هو محتوى إرث فترة القذافي المتعلق بتردي القدرة الإدارية، وعامل انعدام الثقة بين الأطراف.

لاستكمال قراءة هذا التقرير .. اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى