كتَـــــاب الموقع

حكاية طرابلس وبنغازي

حمزة جبودة

1

في الثالث والعشرين من شهر أغسطس الماضي، خرج شباب طرابلس ضد الفساد والفاسدين، وتنديدا بالسياسات التي أفرزت فشلا ذريعا في إدارة الأزمات وأولها أزمة انقطاع الكهرباء.

كان الوقت حينها مبكرا، في بنغازي، التي راقبت عن كثب المظاهرات التي خرجت في طرابلس، ومن ثم في مدينة سبها عبر حراك “ثورة الفقراء”، ومدن ومناطق أخرى رأت أن من واجبها أن تُوحّد كلمتها مع طرابلس. كانت بنغازي وقتها، تحاول أن تُرسل رسالتها التي تُفيد أنها مازالت على وعدها، ستعلن موافقتها وانضمامها لطرابلس، توأمها الروحي والتاريخي.

قد تكون هذه الكلمات “رومانسية مُفرطة” أو “أحلام يقظة”، بسبب العوائق والأسباب التي أدت إلى فجوة بين المدينتين، بنغازي وطرابلس، بفِعل الحسابات السياسية والإقصاء والحروب والتراكمات التي أفرزتها الطبقة الحاكمة منذ أعوام إلى هذا اليوم. ولكنّ هذا كله مُحصلّة وقتية تنتهي بمجرد أن ينتبه الشارع إلى أنه أول وآخر الخاسرين، في معركة الاصطفافات وملهاة “التخوين والتكفير”، أو “الوطنية والخيانة”.

خروج بنغازي له “رمزية” كبيرة، وإثبات جديد لكل المدن والمناطق، يكشف عن الترابط الكبير بين كل الليبيين والليبييات، بالرغم من العراقيل التي واجهت المتظاهرين الذين نادوا بمطالب مشروعة، بالرغم من تخوين أو إفساد الحراك المدني الذي أصبح واقعًا حقيقيًا اليوم.

رمزية ظهور بنغازي، اختزلت صورة غابت لسنوات، وظهرت من جديد قائلة لطرابلس والجنوب، لكل المدن والمناطق: قادرون على تغيير الواقع إن وحّدنا الشارع، قادرون على إزاحة قادة الخراب في ليبيا، إن تجاوزنا “المراهقات السياسية”، قادرون على إعادة البوصلة من جديد، إن وحّدنا الكلمة، الكلمة لا أكثر.

2

الجانب الآخر في صورة الحراك المدني الذي بدأ يتوسع تدريجيا في ليبيا، هو الجانب المُظلم، الذي يُمثّله “أصحاب الثورة” أو ما يوصفون بـ”الثوار الحقيقيون” الذين نصبّوا أنفسهم آلهة على ليبيا، ومن بعدهم هؤلاء الذين مازالوا يختزلون ليبيا في شخصٍ بعينه أو فئة أو منطقة بعينها، هُم آخر من سيلتحق بالشارع، أو هُم من سيتكفلون بإلصاق التهم والتحريض والتخوين.

اختلف مع من تشاء، قُل وجهة نظرك، لكن لا تعمل على تخريب أي حراك مدني، لأنك ببساطة ستكون أول من سيُحاسب إن زاد ضغط الشارع، ستكون أول كبش فِداء سيُقدّم إلى المحاسبة، ولن يرحمك أحد، حتى من ترفع صوره أو تحاول تجميله وفقا لحساباتك الغامضة أو “البدائية” في التعامل مع ما يحدث في ليبيا.

إلى هؤلاء وحدهم، يجب أن نقول لهم إنهم سيدفعون فاتورة ما يحدث، وسيتم الاستغناء عن خدماتهم مع أول تسوية حقيقية يفرضها الشارع الليبي اليوم، أو مع أول اتفاق شعبي ليبيّ يُوقّع في الميادين والشوارع، التي لن تهدأ بعد اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى