“بومبيو”.. ومفهوم السيادة الوطنية في زمن “كورونا”
الحسين المسوري
زار وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، مدينة إسطنبول بجمهورية تركيا، الأسبوع الماضي، ولم تكن هذه الزيارة عادية، بل سجلت سابقة في التقاليد والأعراف الدبلوماسية، حيث رفض الوزير الأميركي الذهاب إلى العاصمة التركية أنقرة ومقابلة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أو حتى وزير الخارجية، مولود تشاووش أوغلو، ولم تستطع الرئاسة التركية أن تمنع الوزير “بومبيو” من دخول تركيا، والتزمت الصمت أمام وقاحة وعنجهية وزير الخارجية الأمريكي الذي التقى شخصيات ورجال دين في مدينة إسطنبول، وبحث معهم ما قال إنه وضع “الحرية الدينية” في تركيا.
لقد أثارت هذه الزيارة سيلًا من الأسئلة حول حدود العلاقات بين الدول، والمعايير التي تنظمها؛ ممّا يدفعنا ونحن في زمن جائحة فيروس “كورونا المستجد”، ألا نستغرب أن تقوم وزارة الخارجية الأمريكية باستدعاء سفير أي دولة لتوضيح حقيقة إصابة أحد مواطني تلك الدولة بمرض يمكن أن يعتبر يشكّل خطرًا كما فيروس “كورونا المستجد”، وقد تبعث الولايات المتحدة فريق تفتيش وتقصي حقائق حول إصابة هذا المواطن، دون أن تستطيع هذه الدولة الرفض، فمرض مواطن في زمن “كورونا” أصبح شأنًا دوليًّا أكثر من كونه شأنًا محليًا.
ما سبق يدفعنا إلى مراجعة مفهوم “السيادة الوطنية” في هذا العصر الذي أصبحت فيه المعايير تتغير بدرجة كبيرة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وبدء مرحلة القطب الواحد، ولكن ما يحدث في هذه السنوات يحمل معه تغييرات جذرية في مستويات السيادة الوطنية للدول< فزيارة “بومبيو” طرحت أسئلة مهمة حول السيادة.. فهل يعقل أن يستطيع وزير دولة أجنبية زيارة دولة عندها سيادة دون موافقة المسؤولين فيها ويرفض السفر للعاصمة لمقابلة رئيسها ووزير خارجيتها؟!
وإذا كان العالم يستشهد بـ”جمهوريات الموز” كمثال على فقدان الدول لسيادتها، وهو المصطلح الذي صاغه في بادئ الأمر الكاتب الأمريكي، أوليفر هنري، للإشارة إلى جمهورية هندوراس، وأصبح فيما بعد وصفًا لحكومات بعض البلدان في أمريكا الوسطى ومنطقة بحر الكاريبي، التي كانت تمثل حديقة خلفية للولايات المتحدة؛ فإن أسلوب السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، وتصرفاته الوقحة وتصريحاته التهكمية بالرغم من قرب رحيله عن البيت الأبيض؛ إلا أنه جعل الكثير من الشعوب تستفيق على حقيقة أن دولها لا تختلف عن “جمهوريات الموز” إلا بالموقع الجغرافي.