أخبار ليبيااهم الاخبار

الصحافة الحرة في ليبيا.. جُمِّدت بثلاجة القذافي

إذا كان المجتمع مجرد قبيلة كبيرة، لا يمكن لمليون دستور أن يحمي صحفي واحد

خلود الفلاح| خاص 218

جلال عثمان صحافي ليبي، وأستاذ الصحافة بجامعة طرابلس. يرى أن الصحافة في ليبيا تعاني بدءاً من قوانينها التي تحتاج إلى تغيير ومراجعة، مرورا بالإمكانات المادية ومواد دستور تحمي الصحافي ومصادره.

في هذا الحوار يتحدث أستاذ الصحافة جلال عثمان عن ميثاق الشرف الإعلامي ومصير الصحافة في ظل الانقسام السياسي.

ـ هل مهنة الصحافة في ليبيا ليست بخير؟

ـ إذا كنا نتحدث عن الصحافة فهي ليست بخير على الإطلاق، أولًا بسبب الإمكانات المادية التي قضت على أكثر من 360 صحيفة ورقية صدرت بعد ثورة فبراير، ثم بسبب الظروف الأمنية التي جردت الباقي منها من أي قدرة على القيام بأي عمل صحفي حقيقي، وأخيرًا بسبب التخلف على مستوى المحتوى الصحفي، لأن الصحافة في العالم تطورت في السنوات العشر الماضية بشكل كبير، ولم تعد مجرد نصوص، وصور.

أصبح هناك ما يعرف بصحافة البيانات، وصحافة التقصي، وصحافة الدقة، وأخذت الرسومات البيانية مكانها في الصحافة، وفي ليبيا كل ذلك ظل غائبًا. أما على مستوى الصحافة التلفزيونية فالأمر يختلف، فهناك محاولات من بعض القنوات لإنتاج محتوى صحفي يتوافق إلى حد ما مع المعايير العالمية، ولولا الانقسام السياسي لكانت لدينا صحافة تلفزيونية يمكن أن تنافس عربيًا. ولا يمكن أن نقول أنها بخير في ظل الظروف التي تعيشها البلاد حاليًا.

ـ هل تأسيس ميثاق شرف إعلامي يحدد الحقوق والواجبات، سيخلق مناخ مناسب للعمل الصحفي؟

ـ ما سيخلق المناخ المناسب للعمل الصحفي، هي مجموعة عوامل، أحدها ميثاق الشرف الإعلامي، والميثاق ليس كل شيء، فهو التزام أخلاقي، أكثر من كونه رادع قانوني، أو عرف مهني، فالعرف الصحفي مثلًا يلزمك كصحفي أن تستمع إلى الطرف الآخر من القضية، وأن تعطي باقي الأطراف ذات المساحة، ولكن أن تأتي بطرف قوي، قادر على كسب القضية، وطرف آخر ضعيف ليخسر عمدًا القضية، فذلك التزام شكلي بأعراف الصحافة. المناخ المناسب للعمل الصحفي، يبدأ بالاستقرار السياسي، والأمني، وبدولة يسودها القانون، ولا ينتهي برأس المال الصامت، الذي يمكن أن يخلق البيئة المناسبة للعمل الصحفي. الصحافة هي فن إدارة الحقائق، وطالما هناك من يكره الحقيقة، وله القدرة على طمسها، فستظل الصحافة في خطر.

ـ هل هنالك ما يسمى بالصحافة الحرة في ليبيا. على الرغم من التأكيد عليها في مسودة الدستور الجديد؟

ـ هناك خلط كبير بين حرية الصحافة، والصحافة الحرة، ففي ليبيا وبعد ثورة فبراير ظهرت العديد من الصحف، لتخلق حالة وصفت بأنها صحافة حرة، والكثير منها لم تكن فيه أي نوع من الحرية، ولكن المصطلح جاء بسبب كونها صحافة لا تتبع الدولة، وفي نفس الوقت كانت لي تجربة في الأشهر الأخيرة للعام 2011 ، واكتشفت أنه لم تكن هناك أي سيطرة للحكومة آنذاك على القنوات التلفزيونية الحكومية، وهنا أقصد قناة الليبية، التي تحولت للرسمية، كنا ثلاثة مذيعين، ونتناوب على تقديم برنامج يومي، لم يعجب حينها التيار السياسي الذي كان يسيطر على الحكومة، ومع ذلك لم يتمكن أحد من السيطرة عليه، أو تدجينه، بينما كانت هناك قنوات خاصة، ومع ذلك لم يكن فيها أي نوع من الحرية.

الصحافة الحرة، حالة لا يمكن أن توجد في دولة مليئة بالتابوهات، وليبيا لن تكون فيها صحافة حرة، في ظل القيم المجتمعية الحالية، وهي قيم الوصاية على الناس، والحكم باسم الدين، فهذه تحديات أكبر من الفوضى الأمنية الحالية.

ـ رغم قدم التجربة الصحفية في ليبيا إلا أنها ضعيفة. حيث أن تاريخ صدور أول صحيفة ورقية في ليبيا يعود إلى العام 1688؟

ـ السبب المباشر هو عدم وجود تراكم في ليبيا، وعدم وجود استقرار سياسي، في العام 1969 عند انقلاب القذافي على النظام الملكي، كانت هناك 4 صحف يومية، وكانت هناك الكثير من الصحف الأسبوعية، وحراك مجتمعي حقيقي، حتى أن مشروع “بيفن سفورزا” الذي سعى لتأخير استقلال ليبيا، وفرض وصاية على أقاليمها الثلاثة، سقط لأن الصحافة آنذاك قد أوجدت حالة من الرفض تجاهه.

وفي عهد سبتمبر كانت الصحف والمجلات لا تعمر طويلًا، إذ سرعان ما تنتهي صحيفة أو مجلة، لتؤسس أخرى، والتي بدورها لا تستمر أكثر من سنوات معدودة، بالإضافة لاحتكار الدولة للصحافة، وانحسار الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وتردي الأوضاع المعيشية. يمكن القول إن الصحافة ظلت أكثر من أربعة عقود في ثلاجة القذافي، حتى تجربة صحف الأندية التي أعادت القارئ للمكتبة، تم القضاء عليها بنجاح.

ـ هل يوجد حياد في الصحافة الليبية؟

ـ الحياد عملية نسبية، حتى قناة السي إن إن، لا يوجد فيها حياد، ولكن هناك قيم عليا في المجتمعات التي تحترم حقوق الإنسان، ولديها منظومة قانونية، وأخلاقية، تضمن حياد الصحافة بشكل كبير، القوانين في تلك الدول لا تتسامح مع خطاب الكراهية، والحث على العنف، وتجرم إعلان الحرب في وسائل الإعلام، وازدراء الأقليات، والفئات الهشة. أما في ليبيا فكل ذلك غير موجود.

ـ هل هناك جدوى من النقابات الصحافية في ليبيا في ظل هذه الفوضى؟

ـ لا يمكن للنقابات العمل في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد، خصوصًا في ظل الانقسام السياسي، وسيطرة مراكز القوى، وبدل أن تكون عامل دعم، ستتحول بالتأكيد إلى مجرد كيان هش، يدور في فلك السلطة.

شخصيًا كنت أشد المعارضين لتشكيل اتحاد للصحفيين في غرب البلاد، بينما شرق البلاد سلطة مستقلة بذاتها، وقد طلب مني عدد من الزملاء أن أتولى مهام رئيس الاتحاد فتمنعت، رغم ثقتي في أهدافهم، ونواياهم.

ـ في نهاية أبريل صدر تقرير منظمة مراسلون بلا حدود لسنة 2020، وفيه صنفت ليبيا في المرتبة 164 من أصل 180 دولة، من حيث حرية الصحافة. هذا العام تسجل تراجعا. ما هي أسباب هذا التراجع برأيك؟

ـ الأسباب عديدة، ومنها عدم اهتمام الحكومتين في الشرق والغرب، بحقوق الإنسان، وتردي مستوى الحريات العامة، ومعاناة الصحفيين، والنشطاء من الجماعات المسلحة، وانحسار مساحات حرية الرأي والتعبير.

ـ قانون المطبوعات رقم ( 76 ) لسنة 1972 ، والذي يعد القانون الوحيد المنظم لقطاع الإعلام في ليبيا، يحتاج إلى تنقيح وتعديل وإلغاء العديد من مواده التي تعد قمعا لحرية الرأي والتعبير، هل من محاولات جادة من المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والصحفيين لمحاولة تغييره؟

ـ بالفعل هناك خطوات ملموسة من قبل عدد من الصحفيين في هذا الإطار، حيث كانت هناك مبادرة من المنظمة الليبية للإعلام المستقل في العام 2019 ، برئاسة الزميل رضا فحيل البوم، لصياغة قانون للإعلام، وقد تشرفت بعضوية هذه اللجنة، وعقدنا عدة اجتماعات، توصلنا خلالها لصياغة أولية للعديد من المواد، والتي غطت الإعلام التلفزيوني، والإعلام المسموع، والصحافة الإلكترونية، وهو ما أهمله قانون المطبوعات رقم 76 الذي أشرت له. كما تناولنا الكثير من الجوانب الأخرى، بمشاركة قانونيين، وبرلمانيين، ومن خلال الاستئناس بقوانين الصحافة والإعلام في دول عربية مثل تونس، والكويت، ولبنان. سجن الزميل رضا فحيل البوم، ثم الحرب على طرابلس، أعاقا عمل اللجنة، وأتمنى أن تعاود اجتماعاتها من جديد في حال تحسنت الأوضاع.

ـ إن مشروع الدستور كفل حرية التعبير والنشر وحرية الصحافة والإعلام في مادّتيه (37 و 38) كما نصت مادته (163) على إنشاء مجلس أعلى للإعلام والصحافة، هذا المجلس هل من مهامه حماية الصحفي ومصادر معلوماته؟

ـ ما يحمي الصحافة، هو دولة المؤسسات، دولة قوة القانون لا قانون القوة، الدستور في دول الفوضى لا قيمة له، إذا كان المجتمع مجرد قبيلة كبيرة، لا يمكن لمليون دستور أن يحمي صحفي واحد، فعندما تسود الفوضى حتى كتاب الله لا يمكن أن يردع أحدًا.

أتمنى أولًا أن تستقر البلاد، وينتهي الانقسام السياسي، ثم تنتهي جميع مظاهر القوة الموازية للدولة، حينها سيكون على البرلمان أن يهتم بالصحافة، التي أهملها لسنوات، فدون صحافة حرة لن تكون هناك تنمية حقيقية، ولن تكون هناك حريات عامة، ولن يكون هناك حقوق إنسان. وحتى دون مجلس أعلى للإعلام، سن قوانين لحماية الصحافة أمر ضروري لبناء دولة القانون.

نحن على مستوى المؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية تقدمنا بمذكرة رسمية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لمطالبة مجلس النواب بإدراج قانونين مهمين ضمن مدونة القوانين، وهما قانون حماية المصادر الصحفية، وقانون حرية النفاذ للمعلومات، والتي نراها من القوانين المهمة.

ـ هل نتفق أن الصحفي الليبي اليوم يعمل في ظروف خطرة للغاية؟

ـ بكل تأكيد، الفترة الحالية هي اسوأ الفترات التي مرت على الصحفي الليبي في التاريخ الحديث، فالانقسام السياسي، وانتشار السلاح، وغيرها الكثير، هناك صحفيون شنت عليهم حملات تشويه على وسائل التواصل الاجتماعي، فقط لأنهم اختلفوا في الرأي مع تيار، أو مجموعة، وهناك صحفيين اضطروا لمغادرة البلاد بسبب تلك الحملات، بل ووصل الأمر إلى الاختطاف مع بعض الزملاء.

ـ هل ستنتهي مهنة الصحافة الورقية بوجود وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، والمنصات الرقمية؟

ـ في دولة مثل ليبيا لا أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي، أو الصحافة الإلكترونية ستنهي الصحافة الورقية، لأن القوانين الليبية لا تعترف بالوثيقة الإلكترونية. تعديل الأعمار، أو الأسماء، أو إعلانات العطاءات بحسب القانون الليبي يجب أن تكون في جريدة ورقية، ولا يعتد بالنشر الإلكتروني، وعلى نفس المنوال أشياء كثيرة أخرى. كما أن الصحف في ليبيا هي مجرد مشاريع صغيرة، وأغلبها ممول من الدولة، وليست صناعة ضخمة يمكن أن تتأثر بالمنافسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى