كتَـــــاب الموقع

.. أن تصيبك شجرة زيتون بألفة محببة

… “قبل هذا النضال العربي المضفر، كان الوطن حقيقة، وبعده صار مشروعا، ثم حلما ثم كابوسا”..

قال هذا أول رجل أعلن أنه سيخون وطنه، “محمد الماغوط”، الذي لم يمهله القدر في 2006 لكي يشهد حقبة الخيانات الكبرى للأوطان، وكيف تحولت هذه الأوطان من حقائق إلى مشاريع وأحلام وكوابيس طاحنة.
في حب الوطن..
ليس دائما كل شيء صادق وحقيقي، ثمة ما هو أسوأ، حين يتحول الوطن من حرم للفضيلة – على رأي السياسي الأمريكي إدوارد إفرت – إلى حرم للرذيلة السياسية، التي تقيس الوطن بالكلمات، وتختصر الوطنية بألفاظ تنشقّ لها الحلوق..
ربما لم نتعلم بعد كيف نحب الوطن روحا ومعنىً وقيمة وتكاليف، ولأن “بداية المعرفة، سواء كانت مع أشخاص أو أشياء، هي أن نحصل على ملخص محدد لجهلنا” حسب جورج إليوت.. فهل بإمكان أحدنا أن يكتب ملخصا واضحا ومحددا لجهله في حب الوطن…؟.
كيف يمكن أن يكون ..؟
الوطن ليس مسألة شائكة ..
إنه ببساطة ما يُشعرك به بيت قديم أضاءه جدُّك بسراج خافت وقمرنصف مكتمل يطل من “كوة” في جدار، وما يعلمك إياه عن فلسفة الرحيل شارع قديم لم تتلعثم فوق ترابه وحجارته أقدام الطيبين، وما تخبرك عنه زيتونة قديمة.. ما زالت تحتفي بألفة محبَّبة لا تموت..
إنه ببساطة.. “الصَّحّ” القديم الذي يجعلك تكتشف أن ما يحدث اليوم “خطأ” جديد، و “الجمال” القديم الذي يمكنك من خلاله اكتشاف كل هذه الكثافة من “القبح” الجديد..
إنه المقدار الضئيل جدا – مثل شعرة – الذي يفصل بين الشجاعة والمغامرة، بين الوطن داخل صندوق عروس، أو داخل “زوادة” فلاح أو “سبيزة” مزارع عتيق ومواظب حتى آخر حبة عرق من جبينه الأسمر.. وبين الوطن داخل “نشرات الأخبار الرصينة” ولجان الحوارات الكسولة، وجدران النقاشات الناشفة..
لعل ملخص جهلنا بالوطن وحب الوطن، ومقداره، هو بمقدار ما مات منا من أحد دون ذنب، أو دون بيت، أو دون رغيف خبز.. أو بمقدار ما “نبشَ” الأغراب والطارئون في الذكريات السعيدة وحتى تلك التي تنطوي على كمية كافية من الحزن الجيد والمفيد، تلك التي ستبقى تفاصيلها ترافقنا مثل أسمائنا.. كلما زاد اسمٌ لأبٍ أو جدّ، زادت الذكريات واتسع الوطن..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى